تاريخ الفلسفة

تاريخ الفلسفة
مخطوط عربي في الكيمياء يذكر أصحاب «الصنعة» بأنهم «فلاسفة»
معلومات عامة
وصفها المصدر
التأثيرات
أحد جوانب
فرع من

تاريخ الفلسفة (بالإنجليزية: The history of philosophy)‏ هو الدِّراسَةُ المنهجيَّةُ لتطوُّرِ الفكرِ الفلسفي. وهو يركز على الفلسفة باعتبارها تحقيقًا عقلانيًا يعتمد على الحجج، لكن بعض المنظرين يشملون أيضًا الأساطير والتقاليد الدينية وتقاليد التراث الحِكَمِي الشَّعبي.

نَشأتِ الفلسفةُ الغربيَّةُ بالبحث في الطبيعة الأساسية للكونِ في اليونان القديمة. وقد غطت التطورات الفلسفية اللاحقة مجموعة واسعة من المواضيع بما في ذلك طبيعة الواقع والعقل، وكيف يجب أن يتصرف الناس، وكيفية الوصول إلى المعرفة. ركزت فترة العصور الوسطى التالية أكثر على اللاهوت. شهدت فترة عصر النهضة اهتمامًا متجددًا بالفلسفة اليونانية القديمة وظهور النزعة الإنسانية. تميزت الفترة الحديثة بزيادة التركيز على كيفية إنشاء المعرفة الفلسفية والعلمية. وقد استُخدِمَت أفكارها الجديدة في عصر التنوير لتحدي السلطات التقليدية. كانت التطورات المؤثرة في القرنين التاسع عشر والعشرين هي المثالية الألمانية، والبراغماتية، والوضعية، والمنطق الصوري، والتحليل اللغوي أو اللساني، وعلم الظواهر أو الفينومينولوجيا، والوجودية، وما بعد الحداثة.

تأثَّرَتِ الفلسفةُ العربيةُ والفارسيةُ بالفلاسفةِ اليونانيينَ القُدماء. وبلغت ذروتها خلال العصر الذهبي الإسلامي. وكان أحد موضوعاتها العلاقة بين العقل والوحي باعتبارهما وسيلتين متوافقتين للوصول إلى الحقيقة. طور ابن سينا نظامًا فلسفيًا شاملاً يجمع بين العقيدة الإسلامية والفلسفة اليونانية. بعد العصر الذهبي الإسلامي، تضاءل تأثير البحث الفلسفي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى نقد الغزالي للفلسفة. في القرن السابع عشر، طور الملا صدرا نظامًا ميتافيزيقيًا يعتمد على العِرفان. ظهرت الحداثة الإسلامية في القرنين التاسع عشر والعشرين كمحاولة للتوفيق بين المذاهب الإسلامية التقليدية والحداثة.

تتميَّزُ الفلسفةُ الهنديةُ باهتمامِهَا المشتركِ بطبيعةِ الواقع، وطُرُقِ الوصول إلى المعرفة، والسؤال الروحي عن كيفية الوصول إلى التنوير. جذورها هي الكتب الدينية المعروفة باسم الفيدا أو الويدا. غالبًا ما تنقسم الفلسفة الهندية اللاحقة إلى مدارس تقليدية، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتعاليم الفيدا، ومدارس غير تقليدية، مثل البوذية واليانية. وكانت المدارس المؤثرة التي تعتمد عليها هي المدارس الهندوسية في أدفايتا فيدانتا ونافيا نياي بالإضافة إلى المدارس البوذية في مادياماكا ويوغاكارا. وفي العصر الحديث، أدى التبادل بين الفكر الهندي والغربي إلى قيام العديد من الفلاسفة الهنود بتطوير أنظمة شاملة. لقد هدفوا إلى توحيد وتوفيق المدارس الفكرية الفلسفية والدينية المتنوعة.

كانت المواضيعُ الرئيسيَّةُ في الفلسفةِ الصينيةِ هي السُّلوكُ الاجتماعيُّ الصحيح، والحكومة، وتثقيف الذات. في الفلسفة الصينية المبكرة، استكشفت الكونفوشيَّة الفضائل الأخلاقية وكيف تؤدي إلى الانسجام في المجتمع بينما ركزت الطاوية على العلاقة بين البشر والطبيعة. تشمل التطورات اللاحقة إدخال التعاليم البوذية وتحويلها وظهور مدارس الطاوية الجديدة والكونفوشيَّة الجديدة. تميزت الفترة الحديثة في الفلسفة الصينية بمواجهتها للفلسفة الغربية، وتحديدا مع الماركسية. التقاليد الأخرى المؤثرة في تاريخ الفلسفة كانت الفلسفة اليابانية، وفلسفة أمريكا اللاتينية، والفلسفة الإفريقيَّة.

التعريف والفروع المرتبطة

[عدل]

يدرسُ تاريخُ الفلسفةِ، باعتباره مجالًا للبحث، التطورَ التاريخيَّ للفكرِ الفلسفي. ويهدف إلى تقديم عرض منهجي وتسلسل زمني للمفاهيم والمذاهب الفلسفية وكذلك الفلاسفة الذين تصوروها والمدارس الفكرية التي ينتمون إليها. إنها ليست مجرد مجموعة من النظريات ولكنها تحاول إظهار كيفية ارتباط النظريات المختلفة ببعضها البعض. على سبيل المثال، تعتمد بعض المدارس الفكرية على نظريات سابقة بينما يرفضها آخرون ويحاولون تقديم تفسيرات بديلة.[1] غالباً ما تُستَبعَد التقاليد العرفانية (الباطنية، الصوفية) والدينية البحتة من تاريخ الفلسفة إذا لم تكن ادعاءاتها أو مطالبها مستندة إلى البحث العقلي والمنطق الحِجاجِي. ومع ذلك، يتعامل بعض المنظرين مع الموضوع بمعنى أوسع جداً ليشمل الجوانب الفلسفية للرؤى التقليدية للعالم، والأساطير الدينية، وتقاليد التراث الحِكَمِي الشَّعبي.[2]

يتكوَّن تاريخُ الفلسفةِ مِن عُنصُرَين: تاريخي وآخر فلسفي. يهتم العنصر التاريخي بكيفية تطور الفكر الفلسفي عبر العصور، ويسأل أي الفلاسفة لديهم وجهات نظر وكيف تأثروا بسياقهم الاجتماعي والثقافي. أمَّا العنصر الفلسفي، فيتعلق بمدى صحة النظريات المدروسة، ويتأمل على الحجج المقدمة للمواقف ويُقيِّم مدى صحتها والافتراضات الخفية. فهو يجعل التراث الفلسفي في متناول الجمهور المعاصر ويقيِّم باستمرار مدى صلتها بالحاضر. يركز بعض مؤرخي الفلسفة في المقام الأول على العنصر التاريخي. وهم يعتقدون أن تاريخ الفلسفة هو جزء من النظام الأوسع المعروف باسم التاريخ الفكري. بينما يركز منظرون آخرون بشكل أكبر على العنصر الفلسفي. إنهم يميلون إلى الادعاء بأن تاريخ الفلسفة يتجاوز التاريخ الفكري لأن اهتمامه ليس تاريخيًا حصريًا.[3] يُعدّ مدى استقلال تاريخ الفلسفة كدراسة منفصلة عن الفلسفة نفسها موضوعًا مثيرًا للجدل. حيث يرى بعض المنظرين بدلاً من ذلك أن تاريخ الفلسفة يشكل جزءًا لا يتجزأ من الفلسفة.[4] وفقًا للكانطيين الجدد مثل فيلهلم فيندلباند، على سبيل المثال، فإن الفلسفة تاريخية في الأساس وليس من الممكن فهم موقف فلسفي دون فهم كيفية ظهوره.[5]

يَرتبِطُ تاريخُ الفلسفةِ بشكلٍ وثيقٍ بمناهجِ كتابةِ تاريخِ الفلسفةِ أو علمِ تاريخِ الفلسفة. تُعنى مناهج كتابة تاريخ الفلسفة بدراسة الأساليب التي يستخدمها مؤرخو الفلسفة. كما تهتم بكيفية تغير الآراء السائدة في هذا المجال.[6] تُستخدم مناهج وأساليب مختلفة لدراسة تاريخ الفلسفة. فبعض المؤرخين يهتمون أساساً بالنظريات الفلسفية، ولا يهتمون بكونها قد صيغت في الماضي. يركز هؤلاء على ما قدمته هذه النظريات من ادعاءات وكيف لا تزال تثير الاهتمام. بينما يركز منهج آخر على رؤية تاريخ الفلسفة كتطور. هذا النهج يستند إلى الافتراض بأن هناك تقدماً واضحاً من فترة إلى أخرى. في هذه العملية، يجري تحسين النظريات السابقة أو استبدالها بنظريات لاحقة أكثر تقدماً. يحاول مؤرخون آخرون فهم النظريات الفلسفية القديمة كنتاج لعصرها. يركز اهتمامهم على المواقف التي تبناها الفلاسفة السابقون ولماذا قاموا بذلك. لا يكون اهتمامهم منصباً على مدى أهمية هذه المواقف في الوقت الحاضر. يدرسون، من بين أمور أخرى، كيف شكل السياق التاريخي وسيرة الفيلسوف نظرتهم الفلسفية.[7]

كانَ استخدامُ التقسيمِ الزمنيِّ أو التحقيبِ من أهمِّ السِّماتِ المنهجيةِ الأُخرَى. يتضمن هذا تقسيم تاريخ الفلسفة إلى فترات مميزة. كل فترة تتوافق مع واحدة أو عدة اتجاهات فلسفية كانت سائدة خلال ذلك الإطار الزمني التاريخي.[8] تقليديًا، ركزت الدراسات الخاصة بتاريخ الفلسفة بشكل أساسي على الفلسفة الغربية. ولكن في معنى أوسع، يشمل ذلك العديد من التقاليد غير الغربية مثل الفلسفة العربية - الفارسية، والفلسفة الهندية، والفلسفة الصينية.[9]

الفلسفة الغربية

[عدل]

تَشْملُ الفلسفةُ الغربيةُ الفلسفةَ المرتبطةَ بالمنطقةِ الجغرافية والتراث الثقافي للعالم الغربي. بدأت في اليونان القديمة ثم انتقلت إلى الإمبراطورية الرومانية. لاحقًا، انتشرت إلى أوروبا الغربية وفي النهاية إلى العديد من المناطق الأخرى، بما في ذلك أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية وأستراليا. تمتد هذه الفلسفة على مدى 2.500 عام، بدءًا من القرن السادس قبل الميلاد وحتى يوم الناس هذا.[10]

الفلسفة اليونانية

[عدل]

نشأت الفلسفة الغربية في اليونان القديمة في القرن السادس قبل الميلاد. وانتهت هذه الفترة تقليديًا في عام 529 ميلادي عندما أُجبرت الأكاديمية الأفلاطونية وغيرها من المدارس الفلسفية في أثينا على سد أبوابها لوقف تعليمها العقائد غير المسيحية.[11]

ما قبل سقراط

[عدل]

تُسمى الفترة الأولى من الفلسفة اليونانية القديمة بالفلسفة السابقة لسقراط أو فلسفة ما قبل سُقراط، واستمرت حتى منتصف القرن الرابع قبل الميلاد تقريبًا. دراسة الفلسفة السابقة لسقراط غالبًا ما تكون صعبة لأن العديد من النصوص لم تبقَ سوى في شكل شذرات، وغالبًا ما يتعين دراستها بشكل غير مباشر استنادًا إلى الاقتباسات الموجودة في نصوص أخرى.[12]

كان الابتكار الرئيسي لفلسفة ما قبل سقراط هو محاولتها تقديم تفسيرات عقلانية للكون ككل. وكان هذا على النقيض من الأساطير اليونانية الشائعة التي قدمت تفسيرات لاهوتية، مثل أسطورة أورانوس وغايا، لتؤكد على دور الآلهة والإلهات المختلفة الذين استمرت عبادتهم حتى مع تطور الفلسفة اليونانية عبر القرون. وقد أصبح فلاسفة ما قبل سقراط من أوائل الذين رفضوا اللاهوت اليوناني، وبدلاً من ذلك سعوا إلى تقديم نظريات تجريبية تشرح كيف نشأ العالم ولماذا يعمل بالطريقة التي يعمل بها.[13]

سعى طاليس (حوالي 624-545 قبل الميلاد)، الذي يُعتبر عادةً أول فيلسوف، إلى وصف الكون من خلال مبدأ أولي أو «أرخ أو أرك» (بالإنجليزية: arche)‏، والذي كان المصدر الأساسي لكل الأشياء، واقترح أن الماء هو هذا الأرخ أو المبدأ. أمَّا أنكسيمندر (حوالي 610-545 قبل الميلاد) فقد قدم تفسيرًا أكثر تجريدًا، حيث جادل بأن المادة الأبدية المسؤولة عن خلق العالم تقع خارج نطاق الإدراك البشري. وقد أطلق على مبدأه الخاص اسم «الأبيرون»، والذي يقع في معنى «اللا محدود أو اللا نهائي أو اللا مُتعين».[14]

رأى هيراقليطس (حوالي 540-480 قبل الميلاد) عالمًا تكون فيه كل الأشياء في حالة تغير مستمر. يتجلى ذلك في مقولته الشهيرة أنه من المستحيل أن تخطو في نفس النهر مرتين. كما أكد على دور اللوغوس كنوع من النظام الذي يحكم كل من الذات الداخلية والعالم الخارجي.[15] أمَّا بارمينيدس (حوالي 515-450 قبل الميلاد) فقد رفض هذا التركيز على التغير، زاعمًا أن الواقع الحقيقي غير متغير بل أبدي وغير قابل للتجزئة. وقد صاغ زينون الإيلي (حوالي 490-430 قبل الميلاد)، تلميذ بارمينيدس، العديد من المفارقات لدعم هذه الفكرة، مجادلًا بأن الحركة وهم وأن التغير مستحيل. إحدى مفارقاته تقول إنه من المستحيل للبطل السريع أخيل أن يتجاوز السلحفاة الأبطأ.[16]

كانت نظرية المذهب الذري لديمقريطس (حوالي 460-370 قبل الميلاد) نظرية مؤثرة أخرى، حيث تقول إن الواقع مكون من العديد من الجسيمات غير القابلة للتجزئة المسماة «ذرات».[17] ومن الفلاسفة السابقين لسقراط الآخرين: أناكسيمينس، فيثاغورس، زينوفانيس، إمبيدوقليس، أنكساغوراس، وليوكيبوس، والسفسطائيون مثل بروتاغوراس وغورغياس.[18]

سقراط وأفلاطون وأرسطو

[عدل]

بنى سقراط (469-399 قبل الميلاد) وأفلاطون (427-347 قبل الميلاد) فلسفتهما على فلسفة ما قبل سقراط، ولكنهما غيّرا التركيز الفلسفي بطرق عديدة. لم يكتب سقراط شيئًا، ويتلخص تأثيره في ما أحدثه من وقعٍ في معاصريه. ويتعلق هذا بشكل خاص بطريقته في إجراء الجدالات الفلسفية في شكل ما يسمى بالحوارات السقراطية. غالبًا ما تبدأ هذه الحوارات بأسئلة بسيطة في محاولة لاستكشاف موضوع ما والتفكير النقدي في الأفكار والافتراضات الأساسية. وعلى عكس الفلاسفة السابقين لسقراط، كان تركيزه أقل على النظريات الميتافيزيقية وأكثر على الفلسفة الأخلاقية. في العديد من حواراته، استكشف سؤال ما يعنيه أن نعيش حياة جيدة، من خلال استكشاف الفضائل مثل العدالة والشجاعة والحكمة. وعلى الرغم من اعتباره معلّمًا عظيمًا للأخلاق، إلا أن سقراط لم يكن يعلّم عادة أي عقائد أخلاقية محددة. وبدلاً من ذلك، كان يحاول دفع جمهوره للتفكير بأنفسهم وإدراك جهلهم.[19]

Fresco showing Plato and Aristotle
أفلاطون (يسارًا) وأرسطو (يمينًا) يشيران لتوضيح الاختلافات في أفكارهما باعتبارهما مؤسسي الفلسفة الغربية، لوحة: تفاصيل من مدرسة أثينا.

يأتي مُعظم ما يُعرف عن سقراط من كتابات تلميذه أفلاطون. أعمال أفلاطون تتخذ شكل حوارات بين الفلاسفة الآخرين، مما يجعل من الصعب إعادة بناء نظرياته الخاصة. لقد صاغ نظرية المُثُل، التي تدّعي أن الطبيعة الحقيقية للواقع توجد في المُثُل أو الأفكار المجردة والأبدية. أمثلة على ذلك هي مُثُل الجمال، والعدالة، والخير الأسمى. أما العالم المادي المتغير الذي تدركه الحواس، فهو مجرد نسخة غير كاملة من المُثُل. وقد شكّلت نظرية المُثُل آراء الميتافيزيقا ونظرية المعرفة اللاحقة حتى يومنا هذا. يمكن اعتبار أفلاطون أيضًا رائدًا في مجال علم النفس، حيث قسّم النفس إلى ثلاث ملكات: العقل، والثيموس، والرغبة، والتي تتحمل مسؤولية الظواهر العقلية المختلفة وتتفاعل مع بعضها بطرق عديدة. تشمل مساهمات أفلاطون أيضًا مجالات الأخلاق والفلسفة السياسية.[20] كما أسس أفلاطون أكاديميته، التي تُعتبر أحيانًا أول معهد للتعليم العالي.[21]

كان أرسطو (384-322 قبل الميلاد)، الذي كان في البداية تلميذًا في أكاديمية أفلاطون، فيلسوفًا منهجيًا. دُوِّنَتْ تعاليمه في شكل أطروحات حول مواضيع مختلفة في فلسفة الطبيعة، والميتافيزيقا، والمنطق، والأخلاق. قدم العديد من المصطلحات الفنية في هذه المجالات التي لا تزال تُستخدم حتى اليوم. قَبِلَ أرسطو تمييزَ أفلاطون بين الشكل والمادة، لكنه رفض فكرة أن الأشكال يمكن أن توجد بذاتها وادعى بدلاً من ذلك أن الأشكال والمادة تعتمد على بعضها البعض. نوقشت هذه القضية من قبل العديد من الفلاسفة اللاحقين بوصفها مسألة من العموميات. في مجال الميتافيزيقا، قدم مجموعة من المقولات الأساسية للوجود كإطار لتصنيف وتحليل الجوانب المختلفة للوجود. كما اقترح نظريته المشهورة بالأسباب أو العلل الأربعة، والتي تهدف إلى تفسير سبب حدوث أي حركة أو تغيير في الطبيعة. وفقًا للسبب الغائي، على سبيل المثال، كل شيء في الطبيعة له هدف ويتحرك نحوه. نظرية أرسطو الأخلاقية تقول إن لعيش حياة جيدة يجب على الإنسان أن ينمي الفضائل من أجل الازدهار. في مجال المنطق، وضع أرسطو قواعد الاستدلال الصحيحة.[22]

الفلسفة الهلنستية والرومانية

[عدل]

تميزت الفلسفة القديمة بعد أرسطو بظهور حركات فلسفية أوسع، مثل: الأبيقورية، والرواقية، والشكوكية، والمعروفة بمدارس الفكر الهلنستية. ركزت هذه المدارس على مجالات مثل: الأخلاق، والفيزياء، والمنطق، ونظرية المعرفة. بدأت هذه الفترة مع وفاة الإسكندر الأكبر في عام 323 قبل الميلاد وكان لها تأثير كبير حتى نهاية الجمهورية الرومانية في عام 31 قبل الميلاد.[23]

قَبِلَ الأبيقوريون واضطلعوا بتطوير فكرة ديموقريطس بأن الطبيعة تتكون من ذرات غير قابلة للتجزئة. في مجال الأخلاق، اعتبروا أن اللذة هي الخير الأعلى، لكنهم رفضوا فكرة أن الترف والانغماس في الملذات الحسية يؤديان إلى السعادة طويلة الأمد. بدلاً من ذلك، جادلوا بأن الشكل الدقيق للمتعة، والذي يتمثل في حياة بسيطة تتميز بالطمأنينة، هو أفضل طريقة لتحقيق هذه السعادة.[24]

رفض الرواقيون هذا المنظور الهيدوني (اللذائذي)؛ فقد رأوا أن الرغبات والبغض أو الكراهية هي عقبات أمام هدفهم في العيش بتوافق مع العقل والفضيلة. وللتغلب على هذه الرغبات، دَعوا إلى السيطرة على الذات وتبني موقف الأباثيا، أي التحرر من الانفعالات.[25]

بحث الشكوكيون مسألة كيف تؤثر الأحكام والآراء على الرفاهية. وادّعوا أن المعتقدات الدوغمائية تسبب اضطرابات عاطفية. وأوصوا الناس بتعليق الأحكام في القضايا التي لا يمكن فيها الوصول إلى اليقين. بعض الشكوكيين ذهبوا إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبروا أن هذا ينطبق على جميع المعتقدات، أي أنهم اعتقدوا أن أي شكل من أشكال المعرفة اليقينية هو مستحيل. وبذلك، دعوا إلى تعليق جميع الأحكام وعدم التأكيد على صحة أي شيء بشكل مطلق.[26]

تعود مدرسة الأفلاطونية المحدثة إلى الجزء الأخير من الفترة القديمة. بدأت في القرن الثالث الميلادي وبلغت ذروتها حتى القرن السادس الميلادي. ورثت العديد من الأفكار من أفلاطون وأرسطو وحولتها بطرق إبداعية. فكرتها الأساسية هي أن هناك كياناً متعاليًا وغير قابل للوصف مسؤول عن كل الوجود، يُطلق عليه ببساطة "الواحد" أو "الخير". ينبثق أو يفيض العقل من الواحد ويتأمله. وهذا بدوره يُنشئ النفس الصاعدة، التي تُحدث العالم المادي. من الفلاسفة المؤثرين في الأفلاطونية المحدثة كانوا أفلوطين (204-270 م) وتلميذه فرفوريوس الصوري (234-305 م).[27]

فلسفة القرون الوسطى

[عدل]

بدأت الفترة الوسطى في الفلسفة الغربية بين 400 و500 ميلادية وانتهت بين 1400 و1500 ميلادية.[28] وكان أحد الفروق الأساسية بينها وبين فلسفة الفلاسفة السابقين هو التركيز على الفكر الديني. وخلال هذه الفترة، أجبر الإمبراطور المسيحي جستنيان مدارس الفلسفة، مثل أكاديمية أفلاطون، على الإغلاق. وكانت الكنيسة هي المركز الرئيسي للدراسة والتعليم والنقاشات الفكرية، وكانت تدير وتتحكم في معظم النشاطات الفكرية والعلمية، وأصبح الابتعاد عن العقيدة الأرثوذكسية، أي الرسمية، محفوفًا بالمخاطر. ولهذه الأسباب، يعتبر البعض هذه الفترة «عصرًا مُظلمًا» بالمقارنة مع ما قبلها وما بعدها.[29] كانت المواضيع الرئيسية في هذه الفترة هي مسألة الكليات أو العموميات، وطبيعة الله، وبراهين وجود الله، والعلاقة بين العقل والإيمان. وقد تميزت الفترة المبكرة من العصور الوسطى بفلسفة أفلاطون، بينما أصبحت الأفكار الأرسطية مهيمنة في أواخر هذه الفترة.[30]

تأثر القديس أوغسطين (354-430 ميلادية) بالأفلاطونية، واستخدم هذا المنظور لشرح المفاهيم والمشاكل الرئيسية في اللاهوت المسيحي. وقد قَبِلَ فكرة الأفلاطونية المحدثة بأن الله أو المصدر الأسمى هو خَيِّر وغير قابل للفهم. فدفعه هذا لمعالجة مشكلة الشر، أي تفسير كيف يمكن للشر أن يوجد في عالم خلقه إله خَيِّر وكلي العلم وكلي القدرة. وتفسيره هو أن الله قد منح البشر الإرادة الحرة، مما يمكنهم من القيام بالخير والشر معًا وتحمل مسؤولية اختياراتهم. ومن الأفكار المؤثرة الأخرى لأوغسطين كانت حججه في إثبات وجود الله، ونظريته عن الزمن، ونظريته بشأن الحرب العادلة.[31]

كان لدى بوثيوس (477–524 ميلادي) اهتمام كبير بالفلسفة اليونانية. حيث اضطلع بترجمة العديد من أعمال أرسطو وسعى لدمجها وتوفيقها مع العقيدة المسيحية. وناقش مشكلة الكليات وصاغ نظرية لدمج آراء أفلاطون وأرسطو. وقد حاول تحقيق ذلك من خلال القول بأن الكليات توجد في الذهن بدون مادة بطريقة معينة، ولكنها توجد أيضًا في الأشياء المادية بطريقة أخرى. وكانت هذه الفكرة مؤثرة في النقاش اللاحق في العصور الوسطى حول مسألة الكليات، حيث ألهمت ما يُسمى بالاسميين الادعاء بأن الكليات توجد فقط في الذهن. أمَّا فيما يتعلق بالعقيدة المسيحية، فقد بحث بوثيوس مشكلة الثالوث، أي السؤال عن كيفية وجود الله في ثلاثة أقانيم في نفس الوقت كالأب والابن والروح القدس.[32]

الفلسفة المدرسية

[عدل]

هيمن المنهج المدرسي على الجزء الأخير من الفترة الوسطى. وكانت المدرسية قد تأثَّرت بشدة بالفلسفة الأرسطية واتّبعت طريقة منهجيَّة ونظاميَّة.[33] وكان المسؤول عن هذا الاهتمام المتزايد بأرسطو هو التقليد العربي الفارسي، الذي حفظ وترجم وفسّر العديد من أعمال أرسطو التي فُقدت في العالم الغربي.[34]

يُعتبر أنسلم الكانتربري (1033-1109 ميلادية) غالبًا أبًا للمدرسية. رأى أن العقل والإيمان هما جانبين متكاملين يعتمدان على بعضهما البعض للوصول إلى فهم صحيح. وهو مشهور بأطروحته الأنطولوجية لإثبات وجود الله. لقد عرّف أنسلم الله بأنه أعظم كائن يمكن تصوره وجادل بأن الله يجب أن يوجد خارج عقله. وهذا يعتمد على فكرة أن الله لن يكون أعظم كائن يمكن تصوره إذا كان موجودًا فقط في العقل.[35] أمَّا بيتر أبيلارد (1079-1142) فقد أكَّد أيضًا على التناغم بين العقل والإيمان. وادعى أن كليهما ينبعان من نفس المصدر الإلهي. ولهذا السبب، استنتج أنه لا يمكن أن يكون هناك تناقض بينهما. ومن الابتكارات المؤثرة الأخرى كانت نظريته في الاسمية، التي ادعت أن الكليات موجودة فقط كتصورات عقلية.[36]

Painting of Thomas Aquinas
طور توما الأكويني نظامًا شاملاً للفلسفة المدرسية.

يُرَى توما الأكويني (1224-1274 ميلادية) غالبًا الفيلسوف الأكثر تأثيرًا في العصور الوسطى. لقد بنى أفكاره على أسس الفلسفة الأرسطية، فطوّر نظامًا متكاملًا للفلسفة المدرسية. شمل هذا النظام مجالات، مثل: الميتافيزيقا، اللاهوت، الأخلاق، والنظرية السياسية. وقد لُخِّصَتْ العديد من أفكاره في عمله المُهم «الخلاصة اللاهوتية». كان الهدف الرئيسي في معظم كتاباته هو إظهار كيف يعمل الإيمان والعقل بانسجام. كان يعتقد أن العقل يدعم ويعزز المعتقدات المسيحية، لكن الإيمان بوحي الله لا يزال ضروريًا لأن العقل غير قادر على فهم كل شيء بمفرده. ويتعلق هذا، على سبيل المثال، بادعاء أن العالم أبدي وتفاصيل كيفية علاقة الله بخلقه. وفي الميتافيزيقا، ادعى توما أن أي كيان يتميز بوجهين: الجوهر والوجود. وإنَّ فهم الشيء يتضمن إدراك جوهره، وهذا يمكن أن يحدث دون إدراك ما إذا كان موجودًا. ويرى أنَّ الله يشكل حالة خاصة: وجوده غير مقيد وهو مُتماثل مع جوهره.[37]

كان يعتقد في الأخلاق أنَّ المبادئ الأخلاقية متجذرة في الطبيعة البشرية. وكان يعتقد أن الأخلاق تتعلق بفعل ما هو خير، وأن البشر، ككائنات عاقلة، لديهم ميل طبيعي للسعي نحو الخير.[38] وفي اللاهوت الطبيعي، وضع «البراهين أو الطرق الخمس» الشهيرة، وهي خمس حجج أو براهين لإثبات وجود الله.[39]

نقد دونس سكوتس (1266-1308 ميلادية) العديد من أفكار توما الأكويني. فقد رفض، في الميتافيزيقا، الادعاء بوجود تمييز [الإنجليزية] حقيقي بين الجوهر والوجود. وبدلاً من ذلك، رأى أن هذا التمييز هو فقط تمييز شكلي، مما يعني أن الجوهر والوجود هما جانبان مختلفان للشيء نفسه ولكنهما لا يمكن فصلهما. كما ادعى أن هناك جوهرًا مُميَّزًا لكل كينونة فردية. هذا الجوهر الفريد، الذي يُسمى «الجوهر المُميَّز [الإنجليزية]»، هو ما يجعل الكيان متميزًا عن الكيانات الأخرى من نفس النوع.[40]

كان ويليام الأوكامي (1285-1347 ميلادية) أحد آخر الفلاسفة المدرسيين. وهو مخترع المبدأ المنهجي المعروف باسم «نصل أوكام». يُستخدم هذا المبدأ للاختيار بين التفسيرات المتنافسة لنفس الظاهرة. وهو ينص على أنه يجب تفضيل التفسيرات البسيطة. في هذا السياق، يكون التفسير أبسط إذا افترض وجود عدد أقل من الكينونات. استخدم أوكام هذا المبدأ ليجادل لصالح الاسمية وضد الواقعية بشأن الكليات (العموميات). وفقًا له، فإن الاسمية هي التفسير الأبسط لأنها لا تفترض وجود الكليات.[41]

فلسفة عصر النهضة

[عدل]

بدأت فترة النهضة في منتصف القرن الرابع عشر واستمرت حتى بداية القرن السابع عشر. كان لهذه الحركة جذورها في إيطاليا وامتدت تدريجياً إلى مناطق أخرى من أوروبا الغربية. من أهم جوانبها الاهتمام المتجدد بالفلسفة اليونانية القديمة وظهور النزعة الإنسانية. شهدت أيضًا تحولًا نحو البحث العلمي. كان هذا تحولاً كبيرًا عن الفترة الوسطى التي كانت تركز بشكل أساسي على التقاليد الدينية والمدرسية. وهناك تغيير آخر وهو أن النشاط الفكري لم يكن مرتبطًا بشكل وثيق بالكنيسة كما كان من قبل: معظم العلماء في هذه الفترة لم يكونوا رجال دين.[42]

كان جزء مهم من إحياء الفلسفة اليونانية القديمة في عصر النهضة يتعلق بالحماس المتجدد لتعاليم أفلاطون. كانت أفلاطونية عصر النهضة تُمارس وتُطور بناءً على أسس اللاهوت المسيحي، وغالبًا ما حاولت إظهار مدى توافق فلسفة أفلاطون مع المذاهب المسيحية وإمكانية تطبيقها عليها. على سبيل المثال، رأى مارسيلو فيسينو (1433-1499) بأن النفوس تؤسس العلاقة بين عالم المُثُل الأفلاطونية والعالم الحسي. فوفقًا لأفلاطون، يمكن فهم الحب كسلّم للوصول إلى أشكال أعلى من الفهم. ففسّر فيسينو هذا في سياق عقلي كطريقة للتواصل مع الله من خلال حب المعرفة.[43]

نيكولو مكيافيلي (1469-1527).

لم يقتصر إحياء الفلسفة اليونانية القديمة على الأفلاطونية بل شمل أيضًا مدارس أخرى مثل الشكّية والأبيقورية والرواقية.[44] كان هذا الإحياء مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بظهور النزعة الإنسانية في عصر النهضة. النزعة الإنسانية في عصر النهضة هي رؤية للعالم تركز على الإنسان وتقدر بشدة التخصصات الأكاديمية التي تدرس المجتمع والثقافة البشرية. كما تضمَّن هذا التحول في المنظور رؤية الإنسان كفرد حقيقي. لم تكن النزعة الإنسانية في عصر النهضة حركة فلسفية بحتة، لكنها أحدثت العديد من التغيرات الاجتماعية والثقافية التي أثرت على النشاط الفلسفي.[45] كانت هذه التغيرات مصحوبة أيضًا بزيادة الاهتمام بالفلسفة السياسية. رأى نيكولو مكيافيلي (1469-1527) بأن المسؤولية الأساسية للحكام هي ضمان الاستقرار والأمن. يجب عليهم الحكم بفعالية لصالح الدولة ككل، حتى إذا تطلبت الظروف الصعبة استخدام القوة والإجراءات القاسية. على الجانب الآخر، قدم توماس مور (1478-1535) نظرة سياسية مختلفة، حيث تصور مجتمعًا مثاليًا يتميز بالملكية المشتركة والمساواة والتفاني في الخدمة العامة.[46]

شهد عصر النهضة تطورات مختلفة في فلسفة الطبيعة والعلوم، والتي ساعدت في تمهيد الطريق للثورة العلمية. أحد هذه التطورات كان التأكيد على الملاحظة التجريبية كوسيلة للبحث العلمي. تطور آخر كان فكرة أن التفسيرات الرياضية يجب أن تُستخدم لفهم تلك الملاحظات.[47] يُعتبر فرانسيس بيكون (1561-1626 م) شخصية انتقالية بين عصر النهضة والعصر الحديث. حاول بيكون إحداث ثورة في المنطق والبحث العلمي من خلال عمله «الأورجانون الجديد»، الذي كان يهدف إلى استبدال عمل أرسطو المؤثر في هذا المجال. ناقش، على سبيل المثال، دور الاستدلال الاستقرائي في البحث التجريبي للوصول إلى قوانين عامة من خلال العديد من الملاحظات الفردية.[48] شخصية انتقالية أخرى هو غاليليو غاليلي (1564-1642 م). لعب دورًا رئيسيًا في الثورة الكوبرنيكية من خلال ادعائه أن الشمس، وليس الأرض، هي مركز النظام الشمسي.[49]

الفلسفة الحديثة المبكرة

[عدل]

تشمل الفلسفة الحديثة المبكرة القرنين السابع عشر والثامن عشر. يُقسَّم الفلاسفة في هذه الفترة تقليديًا إلى تجريبيين وعقلانيين. ومع ذلك، جادل المؤرخون المعاصرون بأن هذا ليس تمييزًا صارمًا، بل هو مسألة درجات متفاوتة. تشترك هذه المدارس في أنها تسعى إلى طريقة تحقيق واضحة ومحددة ومنهجية. كان هذا التركيز الفلسفي على المنهج يعكس التقدم الذي كان يحدث في الوقت عينه كجزء من الثورة العلمية. يقع الاختلاف بين التجريبيين والعقلانيين في نوع المنهج الذي يروِّجانه. تُركز التجريبية على التجربة الحسية، بينما تُؤكد العقلانية على العقل، وخاصة مبادئ عدم التناقض والسبب الكافي، والمعرفة الفطرية. كان هذا التركيز على المنهج واضحًا بالفعل في الفكر النهضوي، لكنه لم يبرز بشكل كامل إلا في الفترة الحديثة المبكرة. شهد النصف الثاني من هذه الفترة ظهور حركة التنوير، التي استخدمت هذه التطورات لتحدي السلطات التقليدية بينما تروج للتقدم والحرية الفردية وحقوق الإنسان.[50]

الفلسفة التجريبية

[عدل]
Oil painting of John Locke
يُنظر إلى جون لوك أحيانًا على أنه أبًا للتجريبية.

كانت التجريبية أو الإمبريقية في الفترة الحديثة المبكرة مرتبطة أساسًا بالفلسفة البريطانية. يُعتبر جون لوك (1632-1704) أحيانًا أبًا للتجريبية. في كتابه «مبحث في الفهم الإنساني»، رفض فكرة المعرفة الفطرية وادعى أن المعرفة تجريبية. رأى أن العقل هو لوح فارغ يعتمد على التجربة الحسية لاكتساب الأفكار. وقد ميز بين الخصائص الأولية، التي تنتمي إلى الأشياء الخارجية وتكون مستقلة عن المراقبين، والخصائص الثانوية، التي هي قدرات الأشياء على إحداث إحساسات في المراقبين.[51] أثَّرت أفكار لوك في جورج بيركلي (1685-1753) بشدة، لكنه قدم شكلًا مختلفًا وأكثر جذرية من التجريبية. طور بيركلي شكلًا من المثالية بإعطاء الأولوية للإدراكات والأفكار على الأشياء المادية. جادل بأن الأشياء توجد فقط إلى الحد الذي يجري إدراكها فيه من قبل العقل. وهذا يعني أنه لا توجد حقيقة خارج العقل.[52]

قَبِلَ ديفيد هيوم (1711–1776) أيضًا المبدأ الأساسي للتجريبية الذي يقول إن المعرفة تُستمد من التجربة الحسية. واستنتج من هذا المبدأ أنه ليس من الممكن معرفة أن شيئًا ما تسبب في حدوث شيء آخر. وكان السبب وراء هذا الرأي هو أن العلاقة بين السبب والنتيجة ليست قابلة للإدراك الحسي. بدلاً من ذلك، جادل بأن العقل يلاحظ فقط أنماطًا منتظمة [الإنجليزية] بين الظواهر السابقة واللاحقة، مما يقوده إلى عادة توقع حدوث ظاهرة معينة لأن أخرى قد حدثت قبلها.[53] كان للتجريبية التي دعا إليها هيوم وآخرون تأثير مهم على المنهج العلمي، خصوصًا فيما يتعلق بالتركيز على الملاحظة والتجربة والاختبار الدقيق.[54]

الفلسفة العقلية

[عدل]
وفقا لعقلانية غوتفريد فيلهلم لايبنتس، فإن لكل شيء سببا كافيا.

كانت العقلانية أو المذهب العقلي مدرسة فكرية مهيمنة أخرى في هذه الفترة، ولعب رينيه ديكارت (1596–1650) دورًا محوريًا في ظهورها. كان هدفه الوصول إلى معرفة مؤكدة تمامًا. ولتحقيق ذلك، استخدم منهجية الشك من خلال التشكيك في جميع معتقداته للعثور على أساس لا يمكن الشك فيه للمعرفة. وجد هذا الأساس في العبارة «أنا أفكر، إذن أنا موجود». استخدم ديكارت مبادئ عقلانية مختلفة، مثل التركيز على الاستدلال الاستنباطي، لتطوير نظام فلسفي شامل يعتمد على هذا الأساس. يتمحور هذا النظام حول الثنائية الجوهرية، مدعيًا أن الجسم والعقل هما كيانان مستقلان يتعايشان.[55]

أَوْلَتْ فلسفة باروخ سبينوزا العقلانية (1632–1677) اهتمامًا أكبر لدور الاستدلال الاستنباطي. استخدم سبينوزا ما يُعرف بالمنهج الهندسي (بالإنجليزية: geometrical method)‏ لتأسيس نظامه الفلسفي. يبدأ هذا المنهج بمجموعة صغيرة من البديهيات الواضحة بذاتها، ثم يستمر بالاستدلال (البرهنة) على نظام فلسفي شامل منها باستخدام الاستدلال الاستنباطي. وعلى عكس ديكارت، توصل سبينوزا إلى المذهب الأحادي الميتافيزيقي.[56] كان غوتفريد فيلهلم لايبنتس (1646–1716) فيلسوف عقلاني آخر مؤثر في هذه الفترة. ينص مبدأ السبب الكافي لديه على أن لكل شيء سببًا. استخدم هذا المبدأ لتطوير نظامه الميتافيزيقي الذي يسمى «المونادولوجيا» (علم الجواهر أو المونادات).[57]

انظر أيضًا

[عدل]

المراجع

[عدل]

فهرس الإحالات

[عدل]
المنشورات
  1. ^
  2. ^
  3. ^
  4. ^
  5. ^
  6. ^
  7. ^
  8. ^ Heller 2016، pp.154–156
  9. ^
  10. ^
  11. ^
  12. ^
  13. ^
  14. ^
  15. ^
  16. ^ Graham 2023، 1e. Parmenides and Zeno
  17. ^
  18. ^ Graham 2023، 1. Presocratic Thought
  19. ^
  20. ^
  21. ^
  22. ^
  23. ^
  24. ^
  25. ^
  26. ^
  27. ^
  28. ^
  29. ^
  30. ^
  31. ^
  32. ^
  33. ^
  34. ^
  35. ^
  36. ^
  37. ^
  38. ^
  39. ^
  40. ^
  41. ^
  42. ^
  43. ^
  44. ^ Adamson 2022، pp.155–157
  45. ^
  46. ^
  47. ^ Chambre et al. 2023، Renaissance philosophy
  48. ^
  49. ^
  50. ^
  51. ^
  52. ^
  53. ^
  54. ^
  55. ^
  56. ^
  57. ^

معلومات المراجع

[عدل]
الكتب
الدوريات المحكَّمة
* Lamprecht, Sterling P. (17 Aug 1939). "Historiography of Philosophy". The Journal of Philosophy (بالإنجليزية). 36 (17): 449–460. DOI:10.2307/2018864. JSTOR:2018864.
الويب
  • Graham، Jacob N. (2023). "Ancient Greek Philosophy". Internet Encyclopedia of Philosophy. مؤرشف من الأصل في 2022-08-25. اطلع عليه بتاريخ 2023-05-25.
  • Singer, Peter (2 May 2023). "Ethics". www.britannica.com (بالإنجليزية). Archived from the original on 2008-05-02. Retrieved 2023-05-25.
  • Vogt، Katja (2022). "Ancient Skepticism". The Stanford Encyclopedia of Philosophy. Metaphysics Research Lab, Stanford University. مؤرشف من الأصل في 2023-03-17. اطلع عليه بتاريخ 2023-05-26.
  • Marenbon، John (2023). "Medieval Philosophy". The Stanford Encyclopedia of Philosophy. Metaphysics Research Lab, Stanford University. مؤرشف من الأصل في 2023-03-26. اطلع عليه بتاريخ 2023-05-27.
  • Penner, Sydney. "Scholasticism and Aristotelianism: Fourteenth to Seventeenth Centuries". Oxford Bibliographies (بالإنجليزية). Oxford University Press. Archived from the original on 2023-07-11. Retrieved 2023-06-16.
  • Kerr، Gaven. "Aquinas: Metaphysics". Internet Encyclopedia of Philosophy. مؤرشف من الأصل في 2023-06-02. اطلع عليه بتاريخ 2023-06-17.
  • Murphy، Mark (2019). "The Natural Law Tradition in Ethics". The Stanford Encyclopedia of Philosophy. Metaphysics Research Lab, Stanford University. مؤرشف من الأصل في 2023-05-24. اطلع عليه بتاريخ 2023-05-29.
  • Spade، Paul Vincent؛ Panaccio، Claude (2019). "William of Ockham". The Stanford Encyclopedia of Philosophy. Metaphysics Research Lab, Stanford University. مؤرشف من الأصل في 2019-10-07. اطلع عليه بتاريخ 2023-05-29.
  • Chambre, Henri; Maurer, Armand; Stroll, Avrum; McLellan, David T.; Levi, Albert William; Wolin, Richard; Fritz, Kurt von (2023). "Western philosophy". www.britannica.com (بالإنجليزية). Archived from the original on 2021-05-13. Retrieved 2023-05-30.

قراءة موسَّعة

[عدل]

للاستفاضة في مواضيع هذه المقالة، تجد أدناه قائمة من الكتب العربية مع روابطها.