الجبهة الشرقية (الحرب العالمية الثانية)

الجبهة الشرقية
جزء من الحرب العالمية الثانية
باتجاه عقارب الساعة من الأعلى يسارًا: سرب من طائرات الهجوم الأرضي إل-2 السوفيتية محلقة في سماء برلين، دبابات تايغر-1 الألمانية أثناء معركة كورسك، سرب من القاذفات الانقضاضية الألمانية شتوكا في أجواء الجبهة الشرقية، إعدام اليهود في أوكرانيا على أيدى عناصر الأينزاتسغروبن خلال شتاء 1943-1944، فيلهلم كايتل يوقع صك الاستسلام الألماني، القوات السوفيتية أثناء معركة ستالينجراد.
معلومات عامة
التاريخ 22 يونيو 1941 - 9 مايو 1945
(3 سنوات و10 أشهر وإسبوعان ويومان و23 ساعة و45 دقيقة)
البلد الاتحاد السوفيتي  تعديل قيمة خاصية (P17) في ويكي بيانات
الموقع شرق وشمال أوروبا علاوة على جنوب أوروبا (البلقان) وغرب أوروبا (ألمانيا والنمسا) في المراحل الأخيرة من الحرب.
النتيجة انتصار حاسم للحلفاء ونهاية الحرب العالمية الثانية
تغييرات
حدودية
تقسيم ألمانيا
  • تحريك الحدود السوفيتية البولندية غربًا حتى خط كورزون
المتحاربون
قوات المحور:

ألمانيا النازية[1]
رومانيا[ا] (حتى 1944)
المجر[ب]
إيطاليا[ج] (حتى 1943)
بلغاريا[د] (حتى 1944)
فنلندا[ه] (حتى 1944)


حكومات عميلة للمحور

سلوفاكيا[و]
كرواتيا[ز] [2]


قوات غير نظامية

إسبانيا[ح] (حتى 1943)
فرنسا فرنسا[ط]

قوات الحلفاء:

الاتحاد السوفيتي[3]
بولندا
تشيكوسلوفاكيا (من 1943)
يوغوسلافيا (من 1944)
تانو توفا (حتى 1944)[4]
منغوليا (من 1945)


دول انفصلت عن المحور

رومانيا (من 1944)
بلغاريا (من 1944)
فنلندا (من 1944)


دعم جوي فقط

فرنسا الحرة (من 1943)
المملكة المتحدة (1941)
الولايات المتحدة[5]

القادة
راية أدولف هتلر أدولف هتلر
(رئيس الأركان)

راية الرايخ مارشال هيرمان غورينغ
راية القائد الأعلى للجيوش الألمانية فرديناند شورنر
إرنست بوش
هاينز جوديريان
بول لودفيغ فون كلايست
غونثر فون كلوج
غيورغ فون كوخلر
فيلهلم ريتر فون ليب
فيلهلم لست
إريش فون مانشتاين
فالتر مودل
فريدريك باولوس استسلم
غيرد فون رونتشتيت
فيدور فون بوك
فيليكس شتاينر
إرهارد راوس
فالتر فون رايخيناو
لوثر رندوليك
هيلموت فايدلينغ
راية المارشال يون أنتونيسكو يون أنتونيسكو
بيترى دوميتريسكو
قنسطنطين قنسطنطينيسكو-كلابس
غيورغي أفراميسكو
رادو كورنى
إيوان دوميتراكي
ميخائيل لاسكار
ليونارد موتشيولسكي
كارل مانرهايم
كارل لينارت يوش
راية وصي عرش المجر ميكلوش هورتي
راية رئيس المجر فيرينتس سالاشي
غوستاف ياني
فيرينتس سومباتي
راية رئيس وزراء إيطاليا (1927-1943) بينيتو موسوليني
جيوفاني ميسي
إيتالو غاريبولدي
أوغو دى كاروليس
الراية القيصرية البلغارية ص.س.م. بوريس الثالث
الراية القيصرية البلغارية ص.س.م. سيميون الثاني
راية رئيس وزراء بلغاريا دوبري بوزيلوف
راية البوكلافنك أنتي بافليش أنتي بافليتش
فيكتور بافيشيتش
ماركو ميسيتش
راية رئيس سلوفاكيا جوزيف تيسو
فيرديناند تشاتلوش
أوغستين مالار
أغوشتين مونيوز غراندس

شارة كتف كنراليسموس الاتحاد السوفيتي جوزيف ستالين
(رئيس الأركان)

غيورغي جوكوف
بوريس شابوشنيكوف
نيكاندر تشيبيسوف
إيفان كونيف
فاسيلي تشويكوف
روديون مالينوفسكي
إيفان باغراميان
إيفان فيديونينسكي
فاليريان ألكسندروفيتش فرولوف
فاسيلي غوردوف
ليونيد غوفوروف
ميخائيل كيربونوس
ميخائيل خوزين
فيودور كوزنيتسوف
إيفان ماسلينيكوف
كيريل ميريتسكوف
دميتري بافلوف (جنرال) أُعدم
إيفان يفيموفيتش بيتروف
ماركيان بوبوف
ماكسيم بوركايف
قنسطنطين روكوسوفسكي
بافيل روتميستروف
سيميون تيموشينكو
فيودور تولبوخين
ألكسندر فاسيليفسكي
نيكولاي فيودوروفيتش فاتوتين
كليمنت فوروشيلوف
أندري يريومينكو
ماتفي زاخاروف
أليكسي أنطونوف
إيفان تيولينيف
إيفان تشرنياخوفسكي
زيغمونت برلينغ
كارول سفرتشيفيسكي
ميخال رولا جيميرسكي
جوزيف بروز تيتو
كوتشا بوبوفيتش
بيكو دابتشيفيتش
كوستا ناد
بيتار درابشين
لودفيك سفوبودا
هيليودور بيكا
الراية الملكية الرومانية ص.س.م. ميخائيل الأول
راية رئيس أركان الجيش الروماني قنسطنطين ساناتيسكو
راية رئيس أركان الجيش الروماني نيكولاي راديسكو
قنسطنطين فاسيليو رشكانو
إيمانويل يونسكو
نيكولاي كامبريا
داميان فيلتشيف
فلاديمير ستويتشيف
هيالمر سيلسفو
ونستون تشرشل
لويس هايد بريرتون
بيير بوياد

القوة
1941
  • 3,767,000 جندي

1943

  • 3,933,000 جندي

1945

  • 1,960,000 جندي
1941
  • 2,680,000 جندي

1943

  • 6,724,000 جندي

1945

  • 6,410,000 جندي
الخسائر
انظر أسفل انظر أسفل


الجبهة الشرقية للحرب العالمية الثانية هي مسرح الحرب الرئيسي الذي شهد العديد من المعارك بين دول المحور الأوروبية وشريكتهم فنلندا من جهة، والاتحاد السوفيتي وبولندا والنرويج، [6] علاوة على بعض دول الحلفاء بشمال وجنوب وشرق أوروبا من جهة أخرى، في الفترة ما بين 22 يونيو 1941 وحتى 9 مايو 1945، كان الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية القوتين الأساسيتين المتحاربتين في الجبهة الشرقية علاوة عن الدول المتحالفة مع الطرفين، وعلى الرغم من ذلك لم تنخرط دول الحلفاء الغريبة الممثلين في القوات البريطانية والأمريكية وكذلك الفرنسية في المعارك الدائرة على الجبهة إلا أنهم شاركوا في تقديم المساعدات اللازمة للاتحاد السوفيتي في صورة مؤن وأسلحة وأفراد خلال المراحل الأولى للاجتياح الألماني، وكذلك توفير الغطاء والدعم الجوي المناسبين لتحقيق ذلك.

وورد ذكر الجبهة الشرقية للحرب العالمية الثانية تحت مسميات عدّة في المصادر التاريخية المختلفة كلٍ بحسب هوية المصدر؛ ولعل أوسع هذه المسميات انتشارًا هو الحرب الوطنية العظمى (بالروسية: Великая Отечественная Война) في الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا حاليًا، كما عُرفت في ألمانيا بعدة مسميات أخرى منها الجبهة الشرقية (بالألمانية: die Ostfront) والحملة الشرقية[7] (بالألمانية: der Ostfeldzug) نسبة لوقوع أحداثها ومعاركها جهة الشرق الجغرافي لألمانيا، كما عُرفت أيضا باسم الحملة الروسية[8] (بالألمانية: der Rußlandfeldzug) هذا بخلاف تسميتها مجازيًا الحرب السوفيتية الألمانية[9] (بالإنكليزية: Soviet-German War) على مستوى العالم بأسره، وهو المصطلح الذي دأب المؤرخين، خاصة الغربيين منهم، على استخدامه للإشارة للمعارك الدائرة بين القوات السوفيتية ونظيرتها الألمانية بطول خط المواجهة في شرق أوروبا.

شهدت معارك الجبهة الشرقية أكبر الاشتباكات العسكرية على مدار التاريخ والتي اتسمت بالاستخدام المفرط وغير المسبوق للقوة، وما تبعه من دمار شامل وتهجير جماعي وخسائر فادحة في الأفراد سواء بسبب المواجهات العسكرية أو المجاعات أو التعرّض لظروف الطقس القاسية، بخلاف الأمراض والمذابح، كما كانت الجبهة الشرقية مركزًا لأحداث الهولوكوست بما ضمته من معسكرات الإبادة ومواكب الأسرى وأحياء اليهود، علاوة على كونها مسرحًا للعديد من المذابح العنصرية المدبرة ضد مختلف الأقليات؛ فمن إجمالي 70 مليون قتيل حُصدت أرواحهم خلال الحرب العالمية الثانية، فقد أكثر من 30 مليون فرد[10] أرواحهم على الجبهة الشرقية؛ أغلبهم من المدنيين، كما كان للجبهة الشرقية الدور الحاسم في تحديد مُقدرات الحرب العالمية الثانية، حيث كانت العامل الأساسي لهزيمة ألمانيا[11][12][13] في الحرب والإطاحة بالرايخ الثالث وتقسيم ألمانيا لقرابة النصف قرن وقيام الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى على الصعيدين الصناعي والعسكري على الرغم من عجز الاتحاد السوفيتي نفسه على الاستمرار لأكثر من نصف قرن من الزمان قبيل انهياره مطلع العقد الأخير من القرن العشرين.

من جانبها تمتد حدود الجبهة الشرقية شمالًا حتى الحدود السوفيتية الفنلندية المشتركة وذلك باعتبار الحرب السوفيتية الفنلندية والمعروفة باسم حرب الاستمرار جناحًا شماليًا للجبهة، علاوة على العمليات الألمانية الفنلندية المشتركة بطول أقصى شمال الحدود السوفيتية الفنلندية بمنطقة مورمانسك والتي تٌعد هي الأخرى امتدادًا جغرافيًا للحرب على الجبهة الشرقية.

الخلفية التاريخية[عدل]

على الرغم من الكراهية المتبادلة بين الطرفين، إلا أن الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية شاركا بعضهما الأخر في إنكار نتائج الحرب العالمية الأولى، كل حسب أهوائه وقناعاته؛ حيث فقدت الإمبراطورية الروسية أراضٍ شاسعة في شرق أوروبا كنتيجة مباشرة لاضطرار جمهورية روسيا السوفيتية الاتحادية الاشتراكية على توقيع معاهدة بريست-ليتوفسك امتثالًا للمطالب الألمانية في ذلك الوقت والتنازل عن مناطق نفوذ وسيطرة عديدة لصالح دول المركز؛ والمتمثّلة في التنازل عن السيادة الروسية على دول البلطيق وانتقال السيطرة الروسية على ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا إلى ألمانيا، كذلك التخلي عن السيطرة الروسية على كلا من بولندا وفنلندا والاعتراف بأوكرانيا كدولة مستقلة، مع دفع تعويضات للحكومة الألمانية، ومع استسلام ألمانيا للحلفاء حصلت الدول السابقة على استقلالها بمقتضى فاعليات مؤتمر السلام بباريس ومعاهدة فرساي المتمخضة عنه والتي تم توقيعها في ظل غياب سوفيتي ناجم عن انخراط الدولة الناشئة في الحرب الأهلية وتجاهل دول الحلفاء للحكومة البلشفية بالبلاد في الوقت الذي لم يظهر فيه الاتحاد السوفيتي ككيان سياسي على أرض الواقع حتى أربعة أشهر تالية.

وباتت نوايا الدولتين واضحةً من خلال توقيع الاتفاق الألماني السوفييتي عام 1939، والذي عُرف أيضًا باتفاقية يواخيم فون ريبنتروب-فياتشيسلاف ميخائيلوفيتش مولوتوف، وهي اتفاقية عدم الاعتداء التي ارتقت لمرتبة المعاهدة بين الجانبين، والتي ضمّت ما يشبه بنودًا سرية موقعة بين الجانبين يتم العمل بمقتضاها على إعادة الأوضاع في أوروبا الشرقية إلى ما نقطة البداية، أو أوضاع ما قبل الحرب العالمية الأولى؛ بحيث يتم تقسيم السيطرة على دول المنطقة بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي؛ فتعود السيطرة السوفيتية الكاملة على كل من فنلندا ودول البلطيق؛ إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، علاوة على تقاسم السيطرة على الأراضي الجمهورية البولندية الثانية والرومانية فيما بينهما.

من جانبه أورد الكاتب الصحفي البولندي أندرو ناغورسكي في كتابه المعركة الكبرى (بالإنكليزية: The Greatest Battle: Stalin, Hitler, and the Desperate Struggle for Moscow That Changed the Course of World War II) الصادر عام 2007 أن الزعيم الألماني أدولف هتلر قد أفصح عن نيته في توجيه ضربةً حاسمةً للاتحاد السوفيتي خلال حواره مع مبعوث عصبة الأمم في ذلك الوقت، السيد كارل ياكوب بوركهارت في 11 أغسطس 1939، بقوله:

الجبهة الشرقية (الحرب العالمية الثانية) كافة التدابير موجهة أساسًا ضد الروس، وإن كان الغرب بهذا الحمق ليعجز عن إدراك ذلك، فسأضطر لمهادنة الروس حتى أقضي تمامًا على الغرب، وبعدها أوجه كل القوات ضد الاتحاد السوفيتي بدءًا بأوكرانيا لتأمين الغذاء لأفراد الجيش، فلا يتضورون جوعًا كما حدث في الحرب الأخيرة. الجبهة الشرقية (الحرب العالمية الثانية)

وبالفعل قامت القوات السوفيتية والألمانية بغزو بولندا من الشرق والغرب على الترتيب، مطلع سبتمبر من عام 1939 وانتهى الغزو بتقسيم الأراضي البولندية بين الجانبين، وفي نوفمبر من العام نفسه قامت القوات السوفيتية بغزو فنلندا، بعد رفض الحكومة الفنلندية لتوقيع اتفاقية للتعاون المشترك مع الجانب السوفيتي، فيما عُرف بحرب الشتاء، والذي لم ينتهي إلا بانتصار جزئي للعسكرية السوفيتية، التي استمرت في التقدم منفردة مع تصاعد حدة النزاع لتحتل دول البلطيق الثلاثة في يونيو من عام 1940 وضمها عنوةً للأراضي السوفيتية من خلال ترويع الحكومات باستخدام القوة، علاوة على بعض الضغوطات الدبلوماسية الأخرى، وهي الخطوة التي أُعتبرت فاقدة للشرعية من خلال مخالفاتها لاتفاقيتي لاهاي والقانون الدولي، علاوة على اتفاقيات ثنائية أخرى موقّعة بين الجانب السوفيتي وحكومات دول البلطيق، وعليه لم تعترف الغالبية العظمى من الدول الغربية بالتحرّك السوفيتي، وهو المنهاج نفسه الذي اتّبعه الزعيم الألماني أدولف هتلر مع بداية الغزو الألماني للأراضي السوفيتية لاستثمار حالة الكراهية والإنكار للتواجد السوفيتي في منطقة البلطيق، واصفًا الغزو السوفيتي لدول البلطيق بالخرق السوفيتي للمفاهيم الألمانية التي بُنيت عليها الاتفاقية الثنائية، وذلك لاكتساب المزيد من التأييد من جانب سكان تلك البلاد والعمل جنبًا إلى جنب مع القوات الألمانية في طرد الجيش الأحمر منها وتضييق الخناق على القوات السوفيتية التي انخرطت في حرب عصابات بجانب قتالها ضد قوات نظامية، [14] في الوقت نفسه وحتى الغزو الألماني، منحت اتفاقية ريبنتورب-مولوتوف الفرصة والوقت الكافيين للاتحاد السوفيتي لاحتلال الجزئين؛ الشمالي والشمالي الشرقي لرومانيا (بيسارابيا وبوكوفينا) وتقسيم الأراضي المُنتزعة فيما بعد بين جمهوريتي أوكرانيا ومولدوفا السوفيتيتين الاشتراكيتين.

الأيديولوجيات[عدل]

الأيديولوجية الألمانية[عدل]

أشار أدولف هتلر في كتابه كفاحي (بالألمانية: Mein Kampf) على ضرورة اتباع سياسة الليبنسراوم (بالألمانية: Lebensraum) والتي تنص على إيجاد أراضٍ جديدة للاستيطان الألماني في شرق أوروبا، وروسيا بالتحديد، [15] مؤكدًا على ضرورة سيادة الجنس الألماني على سائر الأجناس المستوطِنة لتلك المناطق وتهجير سكانها الأصليين إلى سيبيريا مع الإبقاء على المناسبين منهم كعُمّال صُخرة، [16] وخاصة في ظل إشارة الزعيم الألماني للروس عام 1917 كواحد من الأجناس الدُنيا، لقناعته بفشل الروس في إدارة شؤونهم بعد الثورة البلشفية، واستقدامهم لسادة من اليهود لإدارة شؤون البلاد بدلًا منهم، [17] في حين كانت الحرب الألمانية ضد الاتحاد السوفيتي بالنسبة للنازيين المتشددين أمثال هاينريش هيملر[18] بمثابة الصراع الأيديولوجي بين النازية والشيوعية من جهة، وكذلك النازية والبلشفية اليهودية من جهة أخرى، مع ضمان السيادة للأوبرمينش (بالألمانية:Übermensch) الجرماني، أو الإنسان الخارق، وبخاصة الهيرنفولك (بالألمانية:Herrenvolk) الآري على الأونترمينش (بالألمانية:Untermensch) السلافي[19] أو الأجناس الدنيا بحسب وصف الزعيم الألماني نفسه، ففي مذكّرة سرية تم العثور عليها بعد الحرب، حملت عنوان «أفكار بخصوص معاملة الأجناس الغريبة في الشرق» أشار هيملر لضرورة إعادة كل الجرمانيين المتواجدين في الشرق إلى الرايخ لدفعهم فيما بعد لمحاربة اليهود البلاشفة، الذي أشار إليهم في مذكرته بالأجناس الشرقية الدنيا (بالألمانية:Untermenschenvolk des Osten[20] من جانبه أعطى هتلر وصفًا فريدًا للحرب، واصفًا إياها بحرب الإبادة، من الناحية العرقية والإيديولوجية، والتي ستفتح المجال على مصرعيه لتنفيذ الخطة الرئيسية للشرق (بالألمانية: Generalplan Ost) والتي يتم بمقتضاها تهجير جزئي للغالبية من سكان المناطق المحتلة في شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي إلى غرب سيبيريا، بينما يُستعبد الباقين كعُمّال صُخرة يتم التخلص منهم تلقائيًا بعد توطين السكان الألمان في المناطق المحتلة، [21] بخلاف تنفيذ سياسات التخلص من التجمعات السكانية اليهودية في وسط وشرق أوروبا[22] كجزء من البرنامج النازي للتخلص من كافة اليهود الأوروبيين.[23]

وبعد النجاح الألماني في الاستيلاء على العاصمة الأوكرانية كييف، اقتنع هتلر بالاتحاد السوفيتي كقوة عسكرية واهية غير قادرة على الصمود أمام الآلية العسكرية الألمانية المتفوقة، ومن ثمّ يمكن اكتساحها في سلسلة من العمليات العسكرية السريعة والمتتابعة، وعليه أعلن الزعيم الألماني في 3 أكتوبر 1941:

الجبهة الشرقية (الحرب العالمية الثانية) ما علينا الآن سوى دك الأبواب وسينهار البناء المتعفن عن آخره.[24] الجبهة الشرقية (الحرب العالمية الثانية)

وبالفعل توقعت القيادة الألمانية أن تكون الحرب ضد الاتحاد السوفيتي ما هي إلّا بليتزكريغ آخر (بالألمانية:Blitzkrieg) ولهذا لم تتخذ التدابير اللازمة لحرب طويلة الأمد، ومع الانتصار الكاسح للسوفيت في معركة ستالينجراد، عمل هتلر والدعاية النازية من حوله على إقناع الرأي العام الأوروبي تحديدًا والألماني خصوصًا بأن الحرب الجارية ما هي إلا دفاع ألماني عن الحضارة الغربية في مواجهة الموجات الهدّامة من قٍبل الجحافل البلشفية المندفعة باتجاه أوروبا.

الأيديولوجية السوفيتية[عدل]

حقق الاتحاد السوفيتي خلال العقد الرابع من القرن العشرين، وتحت قيادة جوزيف ستالين نهضة صناعية ضخمة ونمو اقتصادي غير مسبوق من خلال انتهاج سياسة اشتراكية البلد الواحد وما تلاها من خطط اقتصادية وتصنيعية عُرفت على مستوى العالم باسم الخطط الخمسية، مما أحدث نقلة أيديولوجية كبيرة في السياسة السوفيتية، بعيدًا عن ارتباطها الأزلي بفكرة الثورة العالمية، الأمر الذي أدى بالتبعية لحل الكومنترن (بالروسية: Коминтерн) بأمر الزعيم السوفيتي نفسه عام 1943.

قبيل ذلك الوقت، وضع الاتحاد السوفيتي بقيادة جوزيف ستالين المخططات لنشر أيديولوجيته الخاصة، والمُمثّلة في الماركسية-اللينينية، كذلك تصدير فكرة الثورة العالمية إلى مختلف بلدان العالم في خطوة منه لتحويل العدد الأكبر منها إلى دول شيوعية اشتراكية بعد القضاء رويدًا رويدًا على الرأسمالية في أوروبا، كما تبنى ستالين سياسة اشتراكية محلية لإدارة البلاد، وهي السياسة الديكتاتورية التي انتهجها طوال فترة حكمه، متخذًا من النهضة الصناعية السوفيتية خلال فترة الثلاثينات ذريعة لهذه السياسة.

على الجانب الأخر من القارة الأوروبية، أتت الإنتخابات العامة في إسبانيا عام 1936 بالعديد من القادة الشيوعيين على رأس الجمهورية الإسبانية الثانية، وما هي إلا بضعة شهور حتى شهدت البلاد إنقلابًا عسكريًا بقيادة الكتلة اليمينية أدى لاندلاع الحرب الأهلية بها، وهي الحرب التي سرعان ما اكتسبت سمات حروب الوكالة من خلال دعم الاتحاد السوفيتي والنظام الملكي بإيطاليا والألوية الدولية للجمهورية الإسبانية الثانية[25] ذات التوجه الاشتراكي الشيوعي، [26] في الوقت الذي قدمت فيه ألمانيا النازية والنظام الفاشي في إيطاليا والبرتغال كامل الدعم للقوميين الإسبان بقيادة الجنرال فرانسيسكو فرانكو، [27] وهي ساحة القتال التي وضعت القوتين، السوفيتية والألمانية، تحت الاختبار الحقيقي على أرض الواقع ومنحت كلاهما الفرصة لتجربة أحدث معداتهم وخططهم قبل استخدامها على نطاق أوسع خلال الحرب العالمية الثانية.

من جانبها اتخذت ألمانيا النازية موقفًا معاديًا للنظام الشيوعي على طول الخط، وقامت بتدعيم هذا الموقف من خلال تدشين حلف مناهضة الكومينترن (بالألمانية: Antikominternpakt) في 25 نوفمبر من عام 1936 مع كلا من اليابان[28] ومن ثمّ إيطاليا التي انضمت للحلف في العام التالي[25][29] وهو الحلف الذي تبنى منهجًا سياسيًا مضادًا للاتحاد السوفيتي الشيوعي.

بخلاف ذلك، أظهر الآنشلوس (بالألمانية: Anschluss Österreichs) عام 1938 ومن بعده احتلال تشيكوسلوفاكيا استحالة إقامة نظام أمني شامل في أوروبا[30] وهو ما دعى إليه وزير الخارجية السوفيتي ماكسيم ليتفينوف من قبل، [31][32] علاوة على عجز القيادتين البريطانية والفرنسية على توقيع اتفاق شامل مع الاتحاد السوفيتي لمواجهة التهديد السياسي والعسكري الألماني، [33] مما دفع الاتحاد السوفيتي للبحث عن وسيلة مغايرة لدرء الخطر الألماني، تمثلت في توقيع اتفاقية عدم الاعتداء مع ألمانيا النازية نهاية أغسطس 1939،[34] وكان لتوقيع هذه الاتفاقية الأثر في نشر دعاية سوفيتية مغايرة لموقفها السابق من ألمانيا، فلم تعد تضعها في إطار العدو المتربّص بالأراضي السوفيتية، بل ألقت بمسئولية الحرب برمّتها على كل من الجمهورية البولندية الثانية والمملكة المتحدة وفرنسا، وإن تحولت السياسة السوفيتية للنقيض مرة أخرى متبنية فكرة مقاومة الاحتلال الألماني للدول الأوروبية بعد تعرّض الأراضي السوفيتية للغزو.

القوات[عدل]

لقاء الجنود السوفيت ونظرائهم من الألمان في ليوبلين، بولندا.

اندلعت الحرب بين قوات ألمانيا النازية يدعمها كل من حلفائها من دول المحور إضافة إلى فنلندا من جهة، في مواجهة الاتحاد السوفيتي منفردًا من الجهة الأخرى، حيث بدأت الاشتباكات المسلحة في 22 يونيو 1941 بشن القوات الألمانية لعملية بارباروسا [ي] الهجومية واسعة النطاق، والتي بدأت باجتياز قوات المحور للحدود المنصوص عليها في اتفاقية عدم الاعتداء الألمانية السوفيتية إيذانًا ببدء العمليات العسكرية في الشرق، وانتهت المعارك في 9 مايو 1945 باستسلام القوات الألمانية، استسلامًا غير مشروط، بعد نجاح الجيش الأحمر في تنفيذ عملية هجوم برلين التكتيكية وهي العملية النوعية التي تُعرف كذلك باسم معركة برلين.

من جانبها، ساهمت العديد من الدول في تقديم الدعم للمجهود الحربي الألماني، وبخاصة دول المحور؛ وعلى رأسهم رومانيا والمجر وإيطاليا والدول المؤيدة للنظام النازي الألماني أمثال سلوفاكيا وكرواتيا هذا بالإضافة إلى فنلندا المناوئة للنظام السوفيتي والتي انخرطت في صراعين عسكريين ضد الاتحاد السوفيتي؛ أولهما حرب الشتاء ثم حرب الاستمرار والتي تلقّت خلاله الدعم من ألمانيا النازية، كما انضم للفيرماخت العدبد من فرق المقاومة الشعبية المناهضة للشيوعية والتواجد السوفيتي في أماكن عديدة كغرب أوكرانيا ودول البلطيق وأخيرًا تتار القرم، ولعل أبرز فرق المتطوعين في صفوف القوات المسلحة الألمانية الفرقة الزرقاء الإسبانية وهي القوات التي أرسلها الديكتاتور فرانثيسكو فرانكو حفاظا على علاقاته الطيبة مع دول المحور التي سبق وأن ساعدته خلال الحرب الأهلية الإسبانية.

في حين قدّم الاتحاد السوفيتي الدعم للعديد من فرق المقاومة المنتشرة في الدول المحتلة من قِبل القوات الألمانية في أوروبا الشرقية والوسطى وخاصة سلوفاكيا وبولندا ومملكة يوغوسلافيا، علاوة على دعمه للقوات البولندية في الشرق، وتحديدا الجيشين البولنديين الأول والثاني اللذان تم تسليحهما وتدريبهما على يد عناصر من الجيش الأحمر، بعدها شاركوا القوات السوفيتية القتال جنبًا إلى جنب على الجبهة الشرقية وبخاصة داخل الأراضي البولندية، كما قدمت فرنسا الحرة الدعم للاتحاد السوفيتي من خلال إرسال الفرقة GC3 (بالفرنسية:Groupe de Chasse 3)، تنفيذًا لدعوة القائد العام لقوات فرنسا الحرة في ذلك الوقت، العميد شارل ديغول، الذي رأى ضرورة مشاركة عناصر من القوات الفرنسية على كل جبهات الحرب العالمية الثانية مهما بعدت جبهة القتال عن الأراضي الفرنسية، كما شاركت القوات البريطانية وقوات من دول الكومنولث البريطاني بشكل مباشر في المعارك على الجبهة الشرقية من خلال تسيير قوافل الدعم والإمداد، وكذلك تدريب قوات الجيش الأحمر الجوية، علاوة على تقديم الإمدادات والدعم الاستخباراتي في المراحل الأولى للحرب، إضافة إلى الدور البارز التي لعبته الإمدادات الأمريكية والكندية في لوجيستيات الحرب، والتي وصلت للاتحاد السوفيتي من خلال برنامج الإعارة والتأجير الأمريكي.

شعار الفيرماخت الفيرماخت

كٌلّفَ الجنرال فيلد مارشال (بالألمانية: Generalfeldmarschall) فالتر فون براوخيتش بقيادة العمليات العسكرية في الاتحاد السوفيتي، حيث تم تخصيص مائة وثلاث وثلاثين فرقة لإتمام العملية، بالإضافة إلى عشرين فرقة احتياطية، وذلك من أصل مائتي وخمس فرقة كوّنت قوام الجيش الألماني، في حين تم توزيع الفرق الباقية على نحو قُدّر بثمان وثلاثين فرقة في الغرب، وإثني عشرة فرقة في النرويج، علاوة على فرقتين في شمال أفريقيا، وعليه بلغ مجموع القوات المهاجمة للاتحاد السوفيتي من ناحية الأفراد والعتاد ما يُقدّر بنحو 3,200,000 جندي، و3,580 مركبة قتال مدرعة، و600,000 ناقلة جنود مدرعة، و600,000 حصان، و7,481 قطعة مدفعية، يدعمهم غطاء جوّي مكوّن من 1,160 طائرة؛ ما بين مقاتلات وقاذفات وطائرات هجوم أرضي و720 طائرة اعتراضية و120 طائرة استطلاع، بخلاف قوات الدول الحليفة لألمانيا والتي انضمت في مراحل متقدمة من القتال.[35]

شعار الجيش الأحمر الجيش الأحمر

على الجانب الآخر تألّفت القوات السوفيتية من مائة وخمس وثمانين فرقة؛ من بينهم مائة وثمان عشرة فرقة مشاة، وأربعين فرقة مدرعة مقسمة إلى أفواج ميكانيكية، علاوة على 4,700,000 جندي بخلاف الاحتياط، والذي لم يتوافر منهم إبان الاجتياح الألماني سوى 2,500,000 جندي فقط على الجبهة السوفيتية الغربية، أولى الجبهات التي تعرضت للاختراق، كما ضمّ سلاح الجو السوفيتي 1,350 طائرة قاذفة معظمها من الطرازات القديمة عدا 500 قطعة فقط حديثة الصنع، بجانب 2,000 طائرة اعتراضية بالية إذا ما قورنت بنظيرتها الألمانية، وأخيرا 800 طائرة استطلاع، في حين تمركزت القطع البحرية في خمس جبهات بداية من بحر البلطيق وحتى البحر الأحمر، وإن تم تخفيض تلك الجبهات إلى ثلاث فقط خلال المراحل المتقدمة للحرب.[35]

مقارنة بين تعداد أفراد القوات المسلحة التابعة للاتحاد السوفيتي في مقابل القوات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية[36]
الفترة الأعداد الإجمالية
القوات السوفيتية القوات الألمانية
يونيو 1941 [37] إجمالي القوات: 5.5 مليون جندي؛ منهم 2.680 مليون جندي على مسرح العمليات و700 ألف جندي في الشرق الأقصى إجمالي القوات: 3.767 مليون جندي؛ منهم 900 ألف جندي على الجبهة الغربية
يونيو 1942 [37] إجمالي القوات: 5.313 مليون جندي؛ منهم 700 ألف في الشرق الأقصى إجمالي القوات: 3.720 مليون جندي؛ 80% منهم على الجبهة الشرقية
يوليو 1943 [37] إجمالي القوات: 6.724 مليون جندي؛ منهم 700 ألف الشرق الأقصى إجمالي القوات: 3.933 مليون جندي؛ 63% منهم على الجبهة الشرقية
يونيو 1944 [37] إجمالي القوات: 6.452 مليون جندي؛ منهم 700 ألف في الشرق الأقصى إجمالي القوات: 3.373 مليون جندي ؛ 62% منهم على الجبهة الشرقية
يناير 1945 [37] إجمالي القوات: 6.452 مليون جندي؛ مع تزايد أعداد القوات السوفيتية في الشرق الأقصى بداية من فبراير للعام نفسه. إجمالي القوات: 2.330 مليون جندي؛ 62% منهم على الجبهة الشرقية.
إبريل 1945 [37] إجمالي القوات: 6.410 مليون جندي إجمالي القوات: 1.960 مليون جندي
المرسوم العسكري رقم 21: عملية بارباروسا.

ساد الهدوء الحذر منطقة الحدود السوفيتية الألمانية وخطوط التماس بين البلدين والتي تم ترسيمها عقب الانتهاء من غزو بولندا خلال العامين الأولين للحرب، ركّزت فيها العسكرية الألمانية مجهوداتها لاجتياح أوروبا وتحقيق الانتصارات المتتالية على الجبهة الغربية، والتي بدأتها باجتياح الدانمرك والنرويج، مرورًا بغزو فرنسا والبلدان المنخفضة وأخيرًا حملة البلقان، مع ذلك لم يكف هتلر عن تحيّن الفرصة المناسبة لنقض معاهدته مع الاتحاد السوفيتي، فبحلول الخامس من ديسمبر لعام 1940 تلقّى هتلر الخطط العسكرية الخاصة بالغزو المُزمع على أن تبدأ القوات الألمانية في شن العمليات العسكرية مُنتصف العام التالي وتحديدًا في شهر مايو، [38] وبحلول الثامن عشر من ديسمبر وقّع هتلر المرسوم العسكري رقم 21، مُبديًا موافقته على بدء العمليات العسكرية بناءً على الخطط الموضوعة، والتي أسماها بعملية بارباروسا، والذي جاء فيه:[38][39]

الجبهة الشرقية (الحرب العالمية الثانية) يجب على الفيرماخت الألمانية اتخاذ كافة الاستعدادات لسحق روسيا السوفيتية من خلال عملية عسكرية سريعة. الجبهة الشرقية (الحرب العالمية الثانية)

من جانبه، جاء قرار هتلر بالموافقة على بدء الغزو الألماني للأراضي السوفيتية مبنيًا على مزاعم أكّدت على انتصار الفيرماخت بمجرّد القضاء على قوات الجيش الأحمر المتمركزة غرب نهري ديفينا الغربي والدنيبر، قبل أن تُثبت المعارك على الجبهة الشرقية بطلان هذا الزعم والذي ألحق بالقوات الألمانية خسائر كارثية قبل انقضاء الشهر الأول من الهجوم الألماني.[40]

رتل دبابات بانزر-3 تستعد للتوغّل داخل الأراضي السوفيتية.

على الجانب الأخر، كان الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين على عِلم بالنوايا الألمانية وما يُحاك من مؤامرات ضد بلاده، وهو ما أوضحه خلال لقائه بقادته العسكريين في ديسمبر من عام 1940، والذي أشار فيه لنوايا الزعيم الألماني وعزمه على اجتياح الأراضي السوفيتية وذلك من خلال ما أورده بنفسه على صفحات كتابه، كفاحي، والذي أورد فيه مساحة كبيرة للحديث بالتفصيل عن غزو الاتحاد السوفيتي، وعليه، أصدر ستالين تعليماته باتخاذ كافة التدابير الممكنة لصد الهجوم الألماني المُتوقع في ظل اعتقاد هتلر لحاجة الاتحاد السوفيتي لأربع سنوات كاملة للانتهاء من إعداد جيشًا قادرًا على صد الغزو الألماني، ومن ثمّ شدد ستالين على ضرورة الانتهاء من كافة الاستعدادات اللازمة خلال فترة وجيزة، على أن تعمل القيادة السياسية في الاتحاد السوفيتي على تأخير الهجوم الألماني لسنتين على الأقل، [41]، ومع ذلك لم يخلُ الموقف السوفيتي من الغموض، حيث تعددت تفسيرات المؤرخين له، خاصة خلال الساعات الأولى لبداية الغزو، حيث أبدى البعض اعتقاده بأن ستالين كان يخشى الانخراط في صراع عسكري مع ألمانيا، أو لعله لم يتوقع أبدًا أن تخوض العسكرية الألمانية حربًا على جبهتين، على الرغم من وجود العديد من القرائن التي أشارت لهذه الاحتمالية مُسبقًا والتي على أساسها قام بالاجتماع مع قادته العسكريين أواخر عام 1940، ومن ثم تحاشى الزعيم السوفيتي القيام بأي فِعل ما من شأنه استثارة نظيره الألماني، في الوقت الذي يؤكد فيه البعض الآخر من المؤرخين على رغبة ستالين الجامحة في الزج بألمانيا في حروب متعددة ضد سائر الدول الرأسمالية الأخرى، هذا بخلاف وجهة نظر أخيرة تؤكّد قناعة ستالين التامة باندلاع الحرب السوفيتية الألمانية بحلول عام 1942 رافضًا بشكل قاطع كافة المعلومات الاستخباراتية المؤكدة على اندلاع الحرب قبل هذا الموعد.[42]

جنود الفيرماخت ينزعون السلاح عن جنديًا سوفيتيًا عقب أسره.

وبإلقاء النظر على الدراسات التاريخية الحديثة للحرب العالمية الثانية، نجد إبراز المؤرخ البريطاني، آلان ميلوارد، لعجز ألمانيا النازية عن خوض معارك طويلة الأمد، حيث اقتصرت انتصاراتها على الحروب الخاطفة ذات الهجوم المركّز، أو ما يُعرف في العقيدة العسكرية الألمانية بالبليتزكريك، [43] وهو ما أكدته الانتصارات الألمانية المتتابعة على الجبهة الغربية تحديدًا خلال الفترة الأولى من الحرب، فيما بين عامي 1939 و1940، وذلك على عكس الإمبراطورية الألمانية السابقة، كما أكد المؤرخ الأمريكي، إدوارد إريكسون، أن الموارد الألمانية لم تكن كافية إلا لدعم المجهود العسكري وتحقيق الانتصارات على الجبهة الغربية خلال عام 1940، بينما لعبت شحنات البضائع السوفيتية الصادرة إلى ألمانيا خلال فترة التعاون الاقتصادي الألماني السوفيتي الوجيزة بين البلدين دورًا رئيسيًا في التفوّق الألماني مع بداية عملية بارباروسا.[44]

وطوال هاتان السنتان، استمرت ألمانيا في حشد أعداد هائلة من القوات في الجزء الشرقي لبولندا، والواقع ضمن حدودها السياسية بعد إتمام الغزو الألماني السوفيتي المشترك للأراضي البولندية، كما قامت بشن العديد من الغارات الاستطلاعية على طول الحدود المشتركة مع الاتحاد السوفيتي، والذي من جانبه قام بحشد فرقه على طول حدوده الغربية المواجهة للحدود الألمانية، وإن استمر الحشد السوفيتي لفترة أطول من تلك التي استنفذتها ألمانيا للغرض نفسه، وترجع أسباب التأخّر السوفيتي لقلة كثافة شبكة الطرق المؤدية لتلك المناطق، ومثلما كان الحال خلال النزاع الصيني السوفيتي حول خطوط السكك الحديدية بشرق الصين، وكذلك النزاعات الحدودية السوفيتية اليابانية من بعده، تسلمت القوات السوفيتية على الجبهة السوفيتية الغربية مرسومًا عسكريًا موقعًا من المارشال سيميون تيموشينكو وجنرال الجيش غيورغي جوكوف، بناءً على الأوامر الصادرة عن غنراليسموس الاتحاد السوفيتي، جوزيف ستالين، مؤداه الأخير عدم الرد على أية استفزازات من الجانب الألماني، وكذلك الامتناع التام عن القيام بأية عمليات هجومية خارج الحدود السوفيتية دون أوامر مسبقة، مما يعني أن الجيش الأحمر لن يدخل في أي نزاع عسكري إلا داخل أراضيه، كذلك لن يقوم بأي هجوم مضاد ضد القوات النازية خارج الحدود السوفيتية، وعليه، تمكنت القوات الألمانية من مفاجأة القيادة العسكرية والسياسية للاتحاد السوفيتي بشن هجوم 22 يونيو.

مشاة ألمان جنوب روسيا، يونيو 1943.

أما بخصوص التحذيرات التي وصلت لستالين حول الهجوم الألماني المتوقع فهي الأخرى محل شك، ولم يتم تبيّن مداها الصحيح، كذلك البرقيات التحذيرية الواردة للقيادة السوفيتية، والتي أكّدت على استعداد ألمانيا لشن هجوم شامل في 22 يونيو دون سابق إعلان للحرب، وهو الزعم الذي أنكره الزعيم السوفيتي نفسه واصفًا إياه بالخرافة الشعبية، إلا أن بعض المصادر التاريخية ذهبت لتأكيد صحة المعلومات الاستخباراتية التي وصلت للقيادة السوفيتية، والتي تجاهلتها الأخيرة لسوء التقدير وانعدام القدرة على تقييم الأمور، حيث ذكرت هذه المصادر المجهودات الحثيثة التي قام بها العملاء السوفيت أمثال ريخارد زورغه وويلي ليمان الذان قاما بإرسال تحذيرات للقيادة السوفيتية حول الغزو الألماني المحتمل، وخاصة زوركة، الذي عمل صحفيًا في اليابان وكان موضع ترحاب في سفارة الرايخ هناك، حيث بدأ في إرسال تحذيراته للاتحاد السوفيتي في 19 مايو مشيرًا لأعداد وتسليح القوات المشاركة في الغزو المنتظر، وهي المعلومات التي جناها من خلال حفلة أُقيمت في سفارة ألمانيا باليابان، وتحصّل من خلالها على الموعد المحتمل لبداية العمليات العسكرية، الذي تكهّن به البعض ليكون في العشرين من يونيو للعام نفسه، بحسب تصريحات المقدم إرفين شول، نائب الملحق العسكري الألماني في اليابان، [45] ثم أتبع زوركه برقيته بأخرى في 15 يونيو، حدد فيها تاريخ الغزو بدقةٍ، مشيرًا لوقوعه في الثاني والعشرين من الشهر نفسه بدلًا من الموعد الذي أرسله سابقًا، [46] وهو ما تأكّد بعد استسلام أحد الجنود الألمان والذي برهن على صحّة معلومات زوركة في 18 يونيو، ومع ذلك لم تُولي القيادة السوفيتية هذه المعلومات الاهتمام الأمثل، [47] كما لم تقتصر المصادر السوفيتية على زوركه فحسب، خاصة مع انتشار شبكات الجواسيس السوفيت في كافة بلدان العالم تقريبًا، ولعل أبرزها حلقة لوسي التجسسية في سويسرا، والتي استخدمت تعمية ألترا في إرسال تحذيرات مماثلة وردت إليها من مصادرها في بريطانيا عن الغزو الألماني.

من جانبها تمكنت الاستخبارات الألمانية من خداع وتضليل نظيرتها السوفيتية عن موعد الهجوم الألماني، من خلال قيام العملاء الألمان بإرسال رسائل تحذيرية مضللة حول مواعيد متضاربة للغزو الألماني بداية من شهر إبريل، ثم موعد أخر في مايو، وثالث يحدد موعد الغزو مع بداية يونيو، وهو ما دفع القيادة السوفيتية لتجاهل كافة المعلومات الواردة إليها فيما بعد بخصوص هذا الشأن، الأمر الذي أدّى بالاستخبارات السوفيتية لإرسال معلومات خاطئة لموسكو تؤكد استحالة وقوع الغزو الألماني للأراضي السوفيتية إلا بعد سقوط الإمبراطورية البريطانية، [48] أو رفض القيادة السوفيتية لإنذار أخير ترسله ألمانيا بخصوص تسليم أوكرانيا للقوات النازية أثناء الغزو الألماني لبريطانيا.[49]

الاستعدادات السوفيتية[عدل]

على الرغم من تقديرات الزعيم الألماني أدولف هتلر، والقادة العسكريين الألمان من حوله، إلا أن الاتحاد السوفيتي لم يكن تلك الدولة الهشة بأي حال من الأحوال، خاصة مع ازدهار النهضة الصناعية التي عايشتها البلاد خلال العقد الرابع من القرن العشرين، والذي جعلت من الناتج المحلي السوفيتي يحتل المركز الثاني على مستوى العالم، متخلفًا فقط عن الولايات المتحدة الأمريكية وعلى قدم المساواة بالناتج الصناعي الألماني، كما شهدت الصناعات العسكرية نموًا متسارعًا، خاصة في الأعوام القليلة التي سبقت الحرب، حيث تم تحويل الجانب الأكبر من الناتج المحلي لخدمة المجهود الحربي، خاصة في ظل استعانة ستالين بالبارزين في مجال الصناعات العسكرية؛ كتوخاتشيفسكي على سبيل المثال، أحد القادة البارزين في مجال الحرب المدرعة خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، والذي اتخذ من الكرملين مقرًّا له، حيث عكف على دراسة وتحديد الموارد اللازمة للتوسّع في عمليات إنتاج السلاح السوفيتي، وبحلول عام 1930 قدم دراسة مستفيضة للقيادة السياسية لإنتاج 40,000 دبابة و50,000 طائرة، [50] لتتماشى مع العقيدة العسكرية الجديدة التي كان الجيش الأحمر بصدد انتهجاها في العمليات العسكرية مع مطلع العقد الرابع، وتم إقرارها بالفعل خلال التغييرات الميدانية التي شهدتها المؤسسة العسكرية عام 1936، أو ما عُرف لاحقًا باسم مفهوم المعركة العميقة، كما تزايد حجم الإنفاق على التعزيزات الدفاعية ليبلغ 12% من إجمالي الناتج المحلي عام 1936، مقابل 5.3% فقط عام 1913، قبل تخطيه لنسبة 18% من إجمالي الناتج المحلي عام 1940.[51]

إذا تمكّن الرفيق مولوتوف من تعطيل الحرب مع ألمانيا لعامين أو ثلاثة لربما صب هذا في مصلحتنا، ولكن علينا بأي حال تجهيز أنفسنا واتخاذ الترتيبات لإعداد قواتنا.[52]
جوزيف ستالين

وبالرجوع للمصادر التاريخية، فإن الاتحاد السوفيتي عانى بالفعل من قلة عدد الأفراد في المناطق العسكرية الغربية، والتي تواجد بها 2.6 مليون جندي سوفيتي مقابل 3.9 مليون جندي ألماني، وفق الإحصائات التي أوردها كلا من المؤرخين تايلور وبرويكتور، [53] بينما شدد ديفيد كلانتز على أن العدد الإجمالي لأفراد القوات النازية في ذلك الوقت لم يتجاوز 3.8 مليون جندي بحلول شهر يونيو من عام 1941، 900,000 منهم متمركزون بطول الجبهة الغربية، [54] بينما تخطى إجمالي عدد أفراد القوات السوفيتية حاجز الخمسة ملايين جندي مطلع يوليو من عام 1941، 2.6 مليون جندي منهم متمركزون غرب الاتحاد السوفيتي، في مواجهة القوات الألمانية، مقابل 1.8 مليون جندي في الشرق الأقصى، بينما بقت الأعداد المتبقية في المعسكرات التدريبية المنتشرة داخل البلاد، [53][54] ومع ذلك، فإن الأعداد المذكورة لا تعكس الصورة الحقيقية على أرض الواقع، حيث أن الأعداد الخاصة بالقوات السوفيتية لم تكن سوى تعداد الجنود خلال النسق الإستراتيجي الأول، والذي تم فيه حشد القوات السوفيتية على بُعد 400 كم داخل أراضيها في مواجهة الحدود الغربية للبلاد، والذي بلغ قرابة 2.9 مليون جندي في ذلك الوقت، كما لم تُشير الأعداد للنسق الإستراتيجي الثاني الأصغر حجمًا، والذي بدأ في التقدم صوب الحدود الغربية للبلاد بحلول 22 يونيو لعام 1941، والذي كان مُقررًا له اتخاذ مواقعه كاملة لدعم النسق الإستراتيجي الأول مطلع يوليو من العام نفسه، وفقًا لخطة الدفاع الإستراتيجي السوفيتية، كما أن أعداد القوات الألمانية شهدت بعض التهويل هي الأخرى، فعلى الرغم من نقل 3.3 مليون جندي ألماني للجبهة الشرقية، إلا أن المشاركة في الهجوم الرئيسي لم تُتح لكل هذه الأعداد، والتي بقى منها الكثير على ذمة الاحتياط العسكري، هذا بخلاف 600,000 جندي أخرين من سائر الدول الحليفة لألمانيا، وإن شاركوا في المعارك مع نهاية الموجة الهجومية الأولى.

وفي 22 يونيو 1941، حققت الفيرماخت تفوقًا ميدانيًا على الأرض من خلال الموجة الهجومية الأولى، بعد أن تمكنت 98 فرقة ألمانية؛ منها 29 فرقة مدرعة، وقرابة 90% من إجمالي القوات العاملة، من اقتحام جبهة القتال الممتدة بطول 1,200 كم (400 ميل) الممتدة ما بين بحر البلطيق شمالًا وجبال كاربات جنوبًا، في مواجهة قوات حرس الحدود التابعة للمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية والفرق السوفيتية من النسق الإستراتيجي الأول، المتمركزة بطول الجبهة السوفيتية الغربية في المناطق العسكرية الثلاثة الخاصة؛ (البلطيق، وكييف، والمنطقة الغربية)، في ظل نجاح القوات الألمانية في حشد قواتها خلال فترة زمنية تقل بنحو إسبوعين كاملين عن تلك التي احتاجها الاتحاد السوفيتي لدعم تعزيزاته بالنسق الإستراتيجي الثاني، وخلال هذه الأثناء، تركّزت 41% من القواعد السوفيتية الثابتة في المناطق العسكرية القريبة من الحدود، وأغلبها في الشريط الحدودي البالغ طوله 200 كم (120 ميل) والذي تمركزت فيه أيضًا ناقلات الوقود، والمعدات وقاطرات السكك الحديدية.[55]

ومن خلال التعبئة العامة، حافظ الاتحاد السوفيتي على زيادة عدد جنوده بصفة منتظمة والدفع بأعداد متزايدة إلى جبهته الغربية، بخلاف معارك عام 1941، التي حققت فيها القوات الألمانية تفوّقًا عدديًا، فمع بداية العمليات القتالية، بلغ التعداد الإجمالي للأفراد العاملين في صفوف الجيش الأحمر 5,774,211 جندي، موزّعين كالأتي؛ 4,605,321 فرد في القوات البرية، و475,656 فرد في القوات الجوية، و353,752 فرد في القوات البحرية، علاوة على 167,582 من أفراد حرس الحدود و171,900 من أعضاء القوات الداخلية التابعة للمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية.[55]

تطور القوات المسلحة السوفيتية بين عامي 1939 و1941[56]
1 يناير 1939 22 يونيو 1941 الزيادة %
الفرق العاملة 131.5 316.5 140.7
الأفراد 2,485,000 5,774,000 132.4
المدافع 55,800 117,600 110.7
الدبابات 21,100 25,700 21.8
الطائرات 7,700 18,700 142.8

أما من ناحية العتاد، حقق الاتحاد السوفيتي تفوقًا عدديًا هائلًا فيما يختص بقطع السلاح الرئيسية، وخاصة الدبابات، والتي امتلك منها 23,106 قطعة، [57] تركّزت 12,782 قطعة منهم في المناطق العسكرية الغربية الخمسة، ثلاثة مناطق من هذه الخمسة كانت في مواجهة مباشرة مع القوات الألمانية المحتشدة، وهو ما دفع أدولف هتلر للتصريح لاحقًا بأنه لو كان على دراية بقوة الدبابات السوفيتية قبيل عام 1941 لما أقدم على تنفيذ خطة الغزو، [58] ومع ذلك بقت معايير الصيانة والتجهيز العائق الأساسي الذي حد من كفاءة الدبابات السوفيتية، خاصة مع محدودية إمدادات الذخيرة وقِصر مدى أجهزة الإتصال المثبتة في الدبابات، مما أضعف من قدرة تواصل الوحدات مع بعضها البعض، علاوة على افتقار أغلب الوحدات للشاحنات المُستخدمة لنقل المؤن والذخيرة وقطع الغيار.

وبحلول عام 1938، بدأ الاتحاد السوفيتي في توزيع الدبابات على فِرق المشاة لتقديم الدعم الميكانيكي اللازم، وهي الإستراتيجية التي قامت القيادة العسكرية بتغييرها بعد إعادة دراسة المعارك السوفيتية في الأراضي الفنلندية أثناء حرب الشتاء، وكذلك متابعة الاجتياح الألماني لفرنسا، مما أدى إلى إعادة هيكلة القوات المدرعة السوفيتية بنفس الأسلوب التي ابتدعته ألمانيا، من خلال تشكيل فرق وفيالق مدرّعة كاملة بدلًا من تشتيتها في دعم وحدات المشاة المختلفة، ولكن على الرغم من الإقدام على هذه الخطوة، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة خلال عملية بارباروسا، وذلك لعدم توافر العدد المناسب من القطع المدرّعة لتشكيل قوة فعلية رادعة.[59]

ومع بداية العمليات العسكرية، امتلكت الفيرماخت قرابة 5,200 دبابة، خُصصت 3,350 منهم لتنفيذ عملية الاجتياح للأراضي السوفيتية، حيث دخل سلاح المدرعات الألماني المعركة مُتخلفًا عن الاتحاد السوفيتي عدديًا بنسبة 4:1، وعلى الرغم من التفوق العددي الملحوظ، إلا أن الدبابات السوفيتية المتطورة في ذلك الوقت، من طرازي تي-34 وكى في-1 لم تمثّل سوى نسبة 7.2% فقط من إجمالي عدد الدبابات السوفيتية على أرض المعركة.

واستمر التفوق العددي السوفيتي مستمرًا كذلك على صعيد القوات الجوية، وإن كان تفوقًا نظريًا فقط، حيث شكّلت العديد من القطع البالية القوام الرئيسي للقوات الجوية السوفيتية، كما افتقدت قوات الدفاع الجوي للتقنيات المتطورة لاصطياد الأهداف، [60] علاوة على وضع القوات في الحالة السلمية خلال ذلك الوقت، وهو ما يصلح لتفسير وجود الطائرات السوفيتية جميعها في صورة متراصة داخل مرابضها، مما جعلها هدفًا سهلًا للوفتفافه الألمانية في الأيام الأولى من العمليات العسكرية، هذا بخلاف الأوامر الصادرة من القيادة العسكرية بعدم التصدي لطائرات الإستطلاع الألمانية قبل الغزو، على الرغم من اختراقاتها المتعددة للمجال الجوي السوفيتي.

فيلم إخباري أمريكي من عام 1941 عن المقاومة السوفيتية للغزو الألماني

كما أدى افتقار القوات الجوية السوفيتية للطائرات الحديثة إلى إعاقة المجهود الحربي على الجبهة الشرقية، حيث شكلت الطائرات البالية من طرازي بوليكاربوف أي-15 مزدوجة الأسطح وبوليكاربوف أي-16 الجانب الأكبر من الطائرات، وذلك حتى عام 1941 حينما بدأت الاتحاد السوفيتي في إنتاج الطائرات الحديثة مثل ميج-3، ولاغغ-3، وياك-1 بأعداد كبيرة تسمح بتعويض ما فُقد من طائرات خلال الأيام الأولى للحرب، وإن بقت هذه الطائرات أقل كفاءة من نظيرتها الألمانية من طرازي مسرشمیت بي‌اف 109 وفوك وولف فو 190 التي دخلت الخدمة في سبتمبر من عام 1941، علاوة على ذلك، افتقرات أغلب الطائرات السوفيتية لأجهزة الاتصال، أما الطائرات المزودة بمثل هذه الأجهزة فكانت أجهزتها إما عاطلة عن العمل، أو تستخدم تقنيات غير مشفرة سهّلت عمل القوات الألمانية في التصدي للتشكيلات السوفيتية، كما ساعد الأداء السيئ للقوات الجوية السوفيتية ضد فنلندا إبان حرب الشتاء على زيادة عامل الثقة لدى اللوفتفافه الألمانية في قدرتهم على تحقيق انتصار سريع في سماء الجبهة الشرقية، والي تحقق بالفعل على الرغم من بداية الاتحاد السوفيتي في تكثيف التدريبات الخاصة بالطيارين، استعدادًا للهجوم الألماني المتوقع على البلاد خلال عام 1942 أو ما بعد ذلك، وفق قناعات القيادة السياسية للبلاد، وإن ظلت هذه التدريبات فقيرة إلى حد بعيد مفتقدة المناورات الحقيقية والطائرات المؤهلة لهذا الغرض، متماشيًا مع أمر المفوض الشعبي لشؤون الدفاع رقم 0362 والصادر بتاريخ 22 ديسمبر 1940 بتكثيف البرامج التدريبية للطيارين مع تخفيض المدة الزمنية المطلوبة لإتمام البرنامج التدريبي، حتى بداية المعارك في 22 يونيو 1941، حيث امتلك الاتحاد السوفيتي 37 طائرة من طراز ميج-1 و201 طائرة من طراز ميك-3، ومع ذلك لم يمتلك سوى أربعة طيارين قادرين على التحليق بمثل هذه الطائرات.[61]

مارشالات الاتحاد السوفيتي الخمس الأوائل، نوفمبر 1935، من اليسار إلى اليمين: توخاتشيفسكي، سيميون بوديوني، كليمنت فوروشيلوف، فاسيلي بليوخير وألكسندر إليتش يغوروف، لم ينج منهم سوى بوديوني وفوروشيلوف.

على الجانب الأخر، تمكنت القوات الألمانية من تعويض النقص العددي في صفوفها عن طريق فارق الخبرة والاستعداد الجيد للمعركة، علاوة على ضعف الجانب الخططي والتكتيكي للقوات السوفيتية عقب التطهير الأعظم الذي قام به جوزيف ستالين خلال الفترة ما بين عامي 1936 و1938، حيث عمد ستالين إلى التخلّص من كافة الخصوم السياسيين والعسكريين على حد السواء، والذي أمر بإعدام ثلاثة من أصل خمس مارشالات شغلوا هذه الرتبة قبيل الحرب، ومن أصل تسعين جنرال أُلقي القبض عليهم، لم ينجُ سوى ست فقط، علاوة على ستة وثلاثين قائد فرقة من أصل مائة وثمانين أُلقي القبض عليهم، وسبع قادات من قادة الفيالق من أصل سبعة وخمسين أُلقي القبض عليهم، ليبلغ مجموع من أُعدموا من صفوف الجيش الأحمر قرابة 30,000 فرد، [62] بينما تم ترحيل أعداد أكبر من تلك إلى سيبيريا حيث تم إيداعهم معتقلات الجولاج، ليحل محلّهم ضباط أخرين ممن وصفهم ستالين باللائقين سياسيًا، والذين افتقدوا الخبرة اللازمة لشغل مناصبهم الجديدة، حيث بلغ متوسط فارق الأعمار بين قادة الفيالق السوفيتية وقادة الفرق الألمانية إلى إثني عشر عامًا لمصلحة القادة الألمان، ومن ثمّ بقت هذه المناصب عرضة للتبديل المستمر، حيث لم يستمر 75% من قادة الجيش الأحمر لفترة أطول من عام واحد في مناصبهم بحلول عام 1941، مما أدى لتجرّع القوات السوفيتية للهزائم المتكررة خلال المراحل الأولى من الحرب، بسبب رعونة القادة الصغار وافتقارهم للشجاعة اللازمة لاتخاذ القرارات المصيرية خلال الأوقات الحرجة.

وبحلول أغسطس 1940، تحصلت الاستخبارات البريطانية تفضح النوايا الألمانية الساعية لشن هجوم واسع النطاق على الاتحاد السوفيتي، وهو ما تأكّد بالفعل بعد إعطاء هتلر الضوء الأخضر للمضي قدمًا في الاستعداد لتنفيذ عملية بارباروسا، [63] وهي المعلومات التي تجاهلها ستالين لانعدام ثقته تجاه البريطانيين، وإيمانه بعدم صحة هذه المعلومات والتي نظر إليها على أنها خدعة بريطانية بغرض الدفع بالاتحاد السوفيتي داخل المعركة، [63][64] واستمر تكذيب الزعيم السوفيتي للمصادر البريطانية حتى حلول ربيع 1941، عندما تمكنت وكالات الاستخبارات السوفيتية ونظيرتها الأمريكية من جني معلومات مماثلة والتحقق منها، وإرسال العديد من الرسائل التحذيرية المتواصلة والدورية للقيادة السوفيتية بشأن العدوان الألماني المحتمل، [65] ومع ذلك، استمر ستالين في تجاهل التحذيرات المتوالية بغية عدم استثارة الزعيم الألماني، [66] على الرغم من إيمانه التام باحتمالية الاجتياح النازي لبلاده، في ظل قناعته بافتقار اتفاق مولوتوف-ريبنتروب للضمانات المناسبة التي تكفل عدم اعتداء ألمانيا على الأراضي السوفيتية، والذي تم توقيعة بين الجانبين قبل عامين من هذا التاريخ، [67] وعليه، لم تكن القوات السوفيتية المتمركزة على الحدود الغربية للبلاد في أتم استعداداتها لدخول معارك شاملة، علاوة على الأوامر الصادرة من القيادة السوفيتية نفسها والتي نصّت على عدم الاشتباك أو تبادل إطلاق النار تحت أي ظرف من الظروف دون أوامر مسبقة، وإن صدرت الأوامر برفع حالة التأهب للحالة الصفراء بحلول العاشر من إبريل.[64]

من جانبها، قامت القوات السوفيتية بتحريك الأفراد والمعدات تجاه الحدود الغربية مع اقتراب موعد الغزو الألماني، وعلى الرغم من كثافة هذه القوات إلا أنها لم تكن مهيأة لصد الغزو المحتمل، وذلك للتغييرات الجذرية التي أحلت بالتخطيط المتّبع وفقًا للعقيدة العسكرية للجيش الأحمر، والذي تبنته المؤسسة العسكرية السوفيتية في عام 1938 في ضوء خطة جنرال الجيش دميتري بافلوف لمواكبة الخطط الدفاعية لباقي الدول والمبنية أساسًا على الدفاع الخطّي، والمُعتمدة على الدفع بفرق المشاة مدعومة بوحدات أساسية من الدبابات لتكوين نقاط حصينة بطول خط الدفاع، واستمر الجيش الأحمر في اتباع هذه العقيدة العسكرية حتى جائت صدمة سقوط فرنسا على يد القوات الألمانية، حيث تمكنت الفيرماخت من اكتساح القوات الفرنسية في مدة قصيرة لم تتجاوز الأسابيع الستة، وعليه، قامت المؤسسة العسكرية بتحليل نتائج الغزو الألماني لفرنسا، وإن بُني هذا التحليل على معلومات غير مكتملة أدت لاستنتاجات خاطئة ألقت باللوم على اعتماد فرنسا على خطة الدفاع الخطّي وافتقارها للوحدات المدرّعة ضمن صفوف قواتها الاحتياطية، ومن ثمّ عمد الاتحاد السوفبتي إلى تغيير خططه الدفاعية قبل أشهر قليلة من الغزو الألماني لأراضية، ومن ثمّ تخلّى الاتحاد السوفيتي عن خطط الدفاع الخطّي وعمل على تركيز قوات المشاة في تشكيلات أكبر، [68] كذلك جمع العدد الأكبر من الدبابات في تسع وعشرين فيلق مميكن، ضم الواحد منهم 1,031 دبابة[69] لصد طليعة القوات الألمانية، وهدفت الخطة الدفاعية السوفيتية إلى الدفع بفرق المشاة لإجبار المشاة الألمان على التراجع بعد ذلك، كذلك العمل على دعم ميسرة القوات السوفيتية المتمركزة في أوكرانيا لشن عملية تطويق إستراتيجية بعد القضاء على مجموعة الجيوش الجنوبية الألمانية، لتتحرك داخل بولندا خلف خطوط مجموعتي الجيوش الشمالية والوسطى، بعدها يستمر التوغل السوفيتي داخل أوروبا.[70][71]

تسيير العمليات[عدل]

على الرغم من أن المؤرخين الألمان لم يقوموا بتقسيم مراحل القتال على الجبهة الشرقية إلى فترات زمنية أو مراحل قتالية إلا أن جميع المؤرخين السوفيت والروس قاموا بتقسيم الحرب ضد ألمانيا وحلفائها إلى ثلاثة مراحل قتالية قُسمت فيما بعد إلى حملات كبرى على مسرح الحرب:

وسام الحرب الوطنية من الطبقة الأولى، ناله أكثر من مليوني فرد عاصروا الحرب العالمية الثانية.
  1. المرحلة الأولى من الحرب الوطنية العظمى (بالروسية: Первый период Великой Отечественной войны) من 22 يونيو 1941 وحتى 18 نوفمبر 1942
  2. المرحلة الثانية من الحرب الوطنية العظمى (بالروسية: Второй период Великой Отечественной войны) من 19 نوفمبر 1942 وحتى 31 ديسمبر 1943
  3. المرحلة الثالثة من الحرب الوطنية العظمى (بالروسية: Третий период Великой Отечественной войны) من 1 يناير 1944 وحتى 9 مايو 1945

عملية بارباروسا: صيف 1941[عدل]

عملية بارباروسا: الغزو الألماني للالأتحاد السوفيتي، 21 يونيو 1941 وحتى 5 ديسمبر 1941:
  حتى 9 يوليو 1941
  حتى 1 سبتمبر 1941
  حتى 9 سبتمبر 1941
  حتى 5 ديسمبر 1941
خريطة الجبهة الجنوبية الغربية (الأوكرانية) في 22 يونيو 1941

في الحادي والعشرين من يوليو لعام 1940 اجتمع أدولف هتلر بقادة جيوشه طالبًا إعداد خطة مُحكمة لغزو الاتحاد السوفيتي، وهو ما تم بالفعل، حيث أصدر توجيهاته لاحقًا بأمر القيادة العليا للفيرماخت رقم 21 بتاريخ 18 ديسمبر 1940 بخصوص الشأن ذاته، [72] وهو ما عُرف لاحقًا باسم عملية بارباروسا (بالألمانية: Unternehmen Barbarossa)، وما هي إلا شهور معدودة حتى بدأ الغزو الألماني قبل بزوغ فجر 22 يونيو 1941 بتدمير شبكة الاتصالات السلكية في مختلف المناطق العسكرية الغربية للاتحاد السوفيتي لعزلها تمامًا عن القيادة المركزية في موسكو، [73] وبحلول الساعة الثالثة والربع من فجر اليوم نفسه بدأت تسع وتسعون فرقة (من ضمنها أربعة عشر فرقة بانزر وعشرة فرق مُدرّعة) من أصل مائة وتسعين فرقة ألمانية متمركزة على الحدود السوفيتية بتنفيذ عملية هجومية واسعة النطاق بطول الجبهة الممتدة بين بحر البلطيق والبحر الأسود، وصحب هذه الفرق الألمانية أثناء الهجوم بعض الفرق الأجنبية الأخرى والعاملة في صفوف الجيش الألماني في ذلك الوقت، ومنها؛ عشرة فرق رومانية مدعومة بتسعة ألوية رومانية وأربعة مجرية، [74] في اليوم نفسه قامت القيادة العامة بالاتحاد السوفيتي بتغيير أسماء مناطق البلطيق، والمنطقة الغربية، ومنطقة كێف العسكرية الخاصة إلى جبهات قتال، وتحديدًا الجبهة الشمالية الغربية، والجبهة الغربية، والجبهة الجنوبية الغربية على الترتيب، [73] كما فرضت ألمانيا سيطرتها الجوية بعدما قام سلاح الطيران الألماني بتوجيه ضربة مباشرة للمطارات السوفيتية أدت إلى تدمير الجزء الأكبر من أسراب المقاتلات المرابضة في تلك المطارات والممتدة بطول جبهة القتال وإن كان أغلب تلك الطائرات من طرازات قديمة غير قادرة على محاكاة التفوّق الألماني.[75]

واستمرت العمليات الهجومية لمدة شهر على ثلاث محاور بدون توقف؛ حيث قامت قوات البانزر بتطويق مئات الآلاف من أفراد القوات السوفيتية في جيوب ضخمة، وهو ما تراجع بالتدريج بسبب بطء تقدم قوات المشاة الألمانية، بينما استمرّت قوات البانزر في الهجوم المتواصل السريع تطبيقًا للعقيدة العسكرية الألمانية المسماة بالبليتزكريك.

من جانبه تركّز الهجوم الألماني حول لينينغراد والتي كانت بمثابة الهدف الرئيسي لمجموعة الجيوش الشمالية وبات شن الهجوم من داخل دول البلطيق الطريق الأنسب للوصول إلى المدينة، وعليه تقدمت القوات المكوّنة من الجيشين السادس عشر والثامن عشر والمجموعة الرابعة بانزر داخل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وحتى منطقتي بسكوف ونوفغورود الروسيتين، حيث تلقّت القوات الألمانية الدعم في دول البلطيق الثلاثة من جانب المتمردين المحليين والذين نجحوا في تحرير ليتوانيا بالكامل، إضافة إلى الجزء الشمالي من لاتفيا والجزء الجنوبي من إستونيا من أيدي القوات السوفيتية قبل دخول القوات الألمانية للبلاد.[76][77]

من جانبها تمكنت مجموعتا البانزر الثانية والثالثة التابعتان لمجموعة الجيوش الوسطى من محاصرة بريست-ليتوفسك شمالًا وجنوبًا، وتبعتهما الجيوش الألمانية الثانية والرابعة والتاسعة، بعدها واصلتا مجموعتي البانزر تقدمهما صوب نهر بيريزينا في ستة أيام فقط، والتي تبعد قرابة 650 كم (400 ميل) من نقطة الانطلاق، وتمثلت المهمة التالية لمجموعتي البانزر في عبور نهر الدنيبر وهي المهمة التي تمّت بنجاح في 11 يوليو، وتبعها الاستيلاء على سمولينسك في 16 يوليو، إلّا أن المقاومة السوفيتية الشرسة حول المدينة وتباطؤ القوات الألمانية في التقدم شمالًا وجنوبًا أجبرا هتلر على إيقاف الزحف صوب موسكو وتحويل وجهة مجموعة البانزر الثالثة شمالًا، في حين صدرت الأوامر لمجموعة البانزر الثانية بقيادة الكولونيل العام (بالألمانية: Generaloberst) هاينز جوديريان بالتحرّك جنوبًا في مناورة تطويق كبرى لدعم مجموعة الجيوش الجنوبية المتقدمة صوب أوكرانيا، مما ترك مشاة مجموعة الجيوش الوسطى دون دعم من القوات المدرّعة أثناء تقدمها البطئ صوب موسكو.[78]

وأعتمدت خطة الهجوم الألمانية الرئيسية على تنفيذ عمليتين هجوميتين متزامنين على موسكو وكييف، بالإضافة إلى عملية تغطية في الشمال باتجاه لينينغراد، ثم تبعها تعديل جعل من موسكو هدفًا رئيسيًا مع تقدّم القوات المرابضة في رومانيا إلى داخل الأراضي الأوكرانية ثم تنفيذ الهجوم على لينينغراد في الشمال من داخل الأراضي الأوكرانية، وظلت هذه خطة الهجوم المُعتمدة حتى بدء تنفيذ عملية بارباروسا، قبل أن يقوم هتلر نفسه بتعديل الخطة النهائية لتشمل الهجوم الفوري على لينينغراد مع توجيه ضربتين عسكريتين متزامنتين باتجاه موسكو وسمولينسك، [72] من جانبها أدّت هذه السلسلة من القرارات المتضاربة إلى نشوب العديد من الخلافات بين صفوف القادة الألمان الذين أصرّوا على ضرورة الاستمرار في الهجوم الفوري على موسكو على عكس رغبة هتلر الذي أوضحها خلال قرار لوتزين، والذي أمر فيه بتحويل وجهة مجموعة البانزر الثانية بقيادة الكولونيل عام هاينز جوديريان والجيش الثاني من مجموعة الجيوش الوسطى بقيادة جنرال دير كافاليري (بالألمانية: General der Kavallerie) ماكسيميليان فون فيخس جنوبًا لدعم مجموعة الجيوش الجنوبية وتدمير الجبهة السوفيتية الجنوبية الغربية، مؤكدًا على أهمية الموارد الموجودة في أوكرانيا، سواءًا كانت زراعية أو تعدينية أو صناعية، كذلك احتياطيات الوقود السوفيتية بمنطقة غوميل، والواقعة بين الجناح الجنوبي لمجموعة الجيوش الوسطى والجناح الشمالي المتعثّر للمجموعة نفسها، وكان لهذا القرار، والذي عُرف فيما بعد باسم الوقفة الصيفية، عظيم الأثر على نتائج معركة موسكو والذي دائما ما وصفه المؤرخون كأحد الأسباب المباشرة لهزيمة القوات الألمانية على الجبهة الشرقية، وذلك من خلال التخلّي عن عنصر السرعة في الانقضاض على موسكو مقابل محاصرة مجموعات كبيرة من الفصائل السوفيتية حول كييف.[79]

أسرى سوفيت في طريقهم إلى أحد معسكرات الاعتقال الألمانية عام 1941.

على صعيد آخر، تولّت المجموعة الأولى يانزر والجيوش السادسة والحادية عشر والسابعة عشر من مجموعة الجيوش الجنوبية مهمة التقدّم داخل غاليسيا باتجاه أوكرانيا وإن كان تقدم هذه المجموعة بطيئًا نوعًا ما، علاوة على ما تكبدته من خسائر في واحدة من معارك الدبابات الكبرى، ومع انتصاف شهر يونيو تمّت عملية تأمين الممرات المؤدية إلى كييف ومن ثمّ اندفع الجيش الحادي عشر صوب أوديسا عبر بيسارابيا بمساعدة الجيشين الثالث والرابع الرومانيين، [80] كما تقدّم الجيش الأول بانزر نحو انحنائة مسار نهر الدنيبر عند منطقة دنيبروبيتروفسك حيث التقى مع طليعة مجموعة الجيوش الوسطى عند أومان وهي المدينة التي تمكنت القوات الألمانية عندها من الإيقاع بقرابة المائة ألف أسير سوفيتي في واحدة من عمليات التطويق الكبرى، وفي الثالث من يوليو خرج ستالين ليتحدث لمواطني الاتحاد السوفيتي من خلال صوت موسكو لأول مرة منذ الاجتياح الألماني للبلاد في خطابٍ ملائم للظروف المحيطة ومعترفًا بخسارة الاتحاد السوفيتي لليتوانيا بالكامل وأجزاء كبيرة من لاتفيا وإستونيا وبيلاروسيا وغرب أوكرانيا، مبررًا موافقته السابقة على اتفاقية عدم الاعتداء الألمانية السوفيتية لعام 1939 بالتوجّه السلمي للاتحاد السوفيتي غير منتبهُا لما تضمره النوايا الألمانية من سوء تجاه بلاده، كما أعلن لأول مرة عن تشكيل لجنة عليا للدفاع (ستافكا) بموجب القرار السرّي الصادر عن مجلس مفوضو الشعب واللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي رقم 825 بتاريخ 23 يونيو وبمقتضى سُلطاته كرئيس للحكومة وزعيم للحزب الشيوعي السوفيتي، والذي أقرّ بتعيين المارشال سيميون تيموشينكو وزير الدفاع رئيسُا، قبل أن ينصّب جوزيف ستالين نفسه رئيسُا للستافكا في العاشر من يوليو وحتى نهاية الحرب، وعضوية كل من غيورغي جوكوف وسيميون بوديوني وكليمنت فوروشيلوف ونيكولاي كوزنيتسوف، والذي استُبدل في العاشر من يوليو ببوريس شابوشنيكوف، وأخيرًا فياتشيسلاف مولوتوف، أعقب هذا البيان مباحثات مع رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في العاشر من يوليو انتهت بتوقبع وثيقة تفاهم سوفيتية بريطانية مشتركة في 12 يوليو تضمنت إعلان الحرب على ألمانيا النازية وانضمام الاتحاد السوفيتي للحلفاء، كما شملت المعاهدة ترسيم الحدود بين الاتحاد السوفيتي وبولندا بجعل خط كورزون حدًا فاصلًا بين البلدين، علاوة على التعاون المتبادل بين بريطانيا والاتحاد السوفيتي شريطة عدم توقيع أيًا منهما لاتفاقية سلام أُحادية الجانب مع دول المحور، وخلال هذه المباحثات شهدت العاصمة السوفيتية أولى غارات سلاح الجو الألماني عليها.[81]

ومع انتصاف سبتمبر التقت طليعة الفرق المدرعة من مجموعة الجيوش الجنوبية مع المجموعة الثانية بانزر بقيادة جوديريانعلى مقربة من لوخفيتسيا حيث قاموا بعزل أعداد كبيرة من الفصائل السوفيتية في جيب شرق كييف[78] وذلك قبل استسلام 400,000 أسير سوفيتي مع سقوط كييف في 19 سبتمبر.[78]

أطفال سوفيت داخل مخبأ أرضي أثناء إحدى الغارات الألمانية.

وبانسحاب الجيش الأحمر إلى ما وراء نهري الدنيبر ودفينا أصبح إخلاء العدد الأكبر من المدن الصناعية الواقعة غرب الاتحاد السوفيتي على رأس أولويات القيادة العامة للبلاد، وعليه تم تفكيك المصانع وتحميلها على عربات السكك الحديدية ونقلها بعيدًا عن الخطوط الأمامية وإعادة بنائها في أماكن أكثر أمنًا في مناطق الأورال والقوقاز وآسيا الوسطى وجنوب شرق سيبيريا في حين اضطر سكان المناطق المنكوبة إلى إخلاء أنفسهم ذاتيًا إذ لم تقم السلطات السوفيتية سوى بإجلاء العاملين في المصانع مصحوبين بآلاتهم دون ذويهم مما ترك الغالبية العظمى من السكان تحت رحمة القوات الألمانية.

كانت أوامر ستالين للجيش الأحمر بالانسحاب إيذانًا ببداية تنفيذ استراتيجية الأرض المحروقة لحرمان القوات الألمانية وحلفائها من المؤن الأساسية مع بداية توغلهم شرقًا داخل الحدود السوفيتية، كما أصدر أوامره بإنشاء كتائب التدمير تنفيذًا لتلك السياسة على طول خط المواجهة والتي أُوكلت لها مهام إعدام أي شخص مشتبه في تعاونه مع القوات الألمانية دون محاكمة، كما قاموا بحرق القرى والمدارس والأبنية العامة منعًا للقوات الألمانية من استخدامها كثكنات عسكرية، [82] كما أدت هذه السياسة إلى قيام المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية والتي تعرف اختصارًا باسم NKVD (بالروسية: Народный комиссариат внутренних дел) بالعديد من المذابح ضد الآلاف من السجناء والذين تم إعدامهم كنتيجة مباشرة لمعارضتهم للنظام السوفيتي.[83]

موسكو وروستوف: خريف 1941[عدل]

نُصب تذكاري تخليدُا لذكرى المُدافعين عن مورمانسك.

بعد الانتهاء من غزو أوكرانيا، قرّر هتلر استكمال مسيرة الزحف صوب موسكو، وعليه قام بترقية مجموعتي البانزر الثانية والثالثة إلى الجيشين البانزر الثاني والثالث پانزر، كما آذن بتنفيذ عملية تايفون أواخر سبتمبر والتي شهدت اندفاع الجيش الثاني بانزر على الطريق المعبّد من أوريول (والتي سقطت في يد القوات الألمانية في الخامس من الشهر ذاته) وحتى نهر أوكا عند بلافسك في حين قام جيش البانزر الرابع المنقول من مجموعة الجيوش الشمالية إلى مجموعة الجيوش الوسطى، بتطويق أعداد كبيرة من الفصائل السوفيتية في جيبين كبيرين عند فيازما وبريانسك بمساعدة الجيش الثالث بانزر، كما تمركزت مجموعة الجيوش الشمالية على مقربة من لينينغراد في محاولة لقطع خطوط السكك الحديدية عند مغا شرقًا، إيذانًا ببدء الأيام التسعمائة لحصار لينينغراد، كما قامت القوات الألمانية والفنلندية المشتركة بشن هجوم شمال الدائرة القطبية الشمالية بغرض الاستيلاء على مورمانسك إلا أن القوات السوفيتية المتمركزة على ضفاف نهر زابادنايا ليستا غرب مورمانسك تمكّنت من صد الهجوم المشترك ومنعت القوات الغازية من التقدّم.

جنود الفيرماخت ينتشلون سيارتهم من الطين خلال فترة الراسبوتيتزا، نوفمبر 1941.

في الوقت نفسه تحركت مجموعة الجيوش الجنوبية جنوبًا من الدنيبر باتجاه ساحل بحر أزوف سالكة الطريق الواصل بين خاركوف وكورسك وستالينو، وبحلول الخريف تمكن الجيش الحادي عشر من الوصول إلى القرم والسيطرة على شبه الجزيرة بصورةٍ كاملةٍ، على العكس من سيفاستوبول والتي استمرت صامدة حتى الثالث من يوليو لعام 1942.

وبحلول الحادي والعشرين من نوفمبر تمكّنت القوات الألمانية من الاستيلاء على روستوف والتي تمثل المنفذ الرئيسية نحو القوقاز، أدّت هذه العمليات العسكرية إلى انتشار القوات الألمانية على جبهات قتال بالغة الطول، مما أعطى فرصة شن الهجمات الدفاعية المضادة للسوفيت الّذين استفادوا بشدة من اتساع جبهة القتال، حيث نجحت القوات السوفيتية في مهاجمة طليعة جيش البانزر الاول من ناحية الشمال وأرغمته على الانسحاب خلف نهر ميوس ليكون بذلك أول انسحابٍ ألماني مؤثّر منذ بداية الحرب.

طاقم مدفع سوفيتي أثناء المعارك في أوديسا عام 1941.

ومع بداية فصل الشتاء شنّت القوات الألمانية هجومًا أخيرًا في الخامس عشر من نوفمبر باتجاه كلين في محاولة للالتفاف حول موسكو؛ حيث نجح الجيش الرابع بانزر في الوصول حتى 30 كم (19 ميل) من الكرملين وذلك ببلوغها خيمكي، في حين فشل جيش البانزر الثاني في الاستيلاء على تولا، آخر المدن السوفيتية الواقعة على الطريق المؤدي لموسكو، وعليه قرر القائد الأعلى للجيوش الألمانية (بالألمانية: Oberkommando des Heeres) الجنرال أوبرست فرانز هالدر عقْد اجتماع مع قادة الجيوش في أورشا نتج عنه صدور القرار باستكمال الزحف صوب موسكو باعتباره الحل الأفضل وفقًا لوجهة نظر قائد مجموعة الجيوش الوسطى الفيلد مارشال فيدور فون بوك، والذي أصرّ على ضرورة الاستمرار في الاشتباك مع القوات السوفيتية وعدم إعاطائها فرصة للراحة أو تنظيم الصفوف، ومع ذلك استمرّ الاتحاد السوفيتي في حشد المزيد من القوات استعدادًا لتنفيذ هجوم مضاد واسع النطاق ضد القوات الألمانية.

وبحلول السادس من ديسمبر بدا واضحًا أن الفيرماخت أضعف من ان يستولي على موسكو، ومن ثمّ أُوقف الهجوم على المدينة حتى إشعارٍ آخر، مما أعطى الفرصة للمارشال شابوشنيكوف لتنفيذ هجومه المضاد مستفيدًا من عناصر الاحتياط العسكري المنقولة حديثًا إلى الجبهة[84] وبمساعدة بعض الفرق عالية الكفاءة والقادمة من الشرق الأقصى بعد وصول تأكيدات بالتزام اليابان بالحياد التام بشأن الحرب على الاتحاد السوفيتي.

الهجوم السوفيتي المضاد: شتاء 1941[عدل]

الهجوم السوفيتي الشتوي المضاد، من 5 ديسمبر 1941 وحتى 7 مايو 1942:
  مكاسب سوفيتية
  مكاسب ألمانية

خلال الأشهر الستة الأولى من الغزو الألماني، تمكّن ستالين من نقل أعداد كبيرة من الجنود المرابضين في سيبيريا والشرق الأقصى إلى الخطوط الأمامية غرب الاتحاد السوفيتي، قبل أن يبدأ بالعمليات الهجومية المضادة في الخامس من ديسمبر بدأت هذه القوات في مهاجمة الخطوط الألمانية حول موسكو فيما عُرف في التاريخ العسكري السوفيتي بهجوم موسكو الاستراتيجي، مدعومة بالدبابات الحديثة من طراز تي-34 وراجمات الصواريخ كاتيوشا ذائعة الصيت، وكانت الوحدات السوفيتية أكثر كفائةً واستعدادًا للحرب الشتوية من سابقتها التي تلقت هزائم قاسية، الواحدة تلو الأخرى، على يد القوات الألمانية، كما حظيت هذه القوات بدعم من كتائب المشاة المتزلجة مما أجبر الألمان على الانسحاب من محيط مدينة موسكو وضواحيها بحلول السابع من يناير لعام 1942 بعدما استنزفتها القوات السوفيتية في معارك متفرقة علاوة على احتدام برودة الطقس.

الكتائب السوفيتية المتزلجة مدعومة بالدبابات خلال معركة موسكو.

كما شنت القوات السوفيتية هجومًا آخر مع انقضاء الأسبوع الأول من شهر يناير ضمن هجوم رجف الاستراتيجي، وهي عملية هجومية واسعة النطاق استهدفت قطع نقاط الوصل بين مجموعة الجيوش الشمالية ومجموعة الجيوش الوسطى في المنطقة الواقعة بين بحيرة سليغر ورجيفر أدت إلى فتح ثغرة في صفوف القوات الألمانية، جاء هذا بالتزامن مع تقدّم عناصر من القوات السوفيتية باتجاه الجنوب الغربي لموسكو قادمة من كالوغا لتلتقي بالقوات المرابضة فعلًا حول موسكو قبل أن تشن هذه القوات هجومًا مشتركًا على سمولينسك، إلا أن القوات الألمانية تمكنت من تدارك الأمر بقطع الطريق على القوات المتقدّمة من كالوغا، وبذلك حافظت القوات الألمانية على مواقعها في النتوء الموجود عند رجيفر، في هذه الأثناء قامت القوات السوفيتية بإسقاط مظليين في دوروغوبوج الواقعة تحت السيطرة الألمانية، وهي العملية التي لاقت فشلًا ذريعًا حيث فقد الجيش الأحمر أغلب عناصره المشاركة في تلك العملية في حين اضطرت الأعداد القليلة من الناجين إلى الفرار داخل المناطق الواقعة تحت سيطرة البارتيزان السوفيت خلف الخطوط الألمانية، كما قامت القوات السوفيتية بمحاصرة حامية ألمانية من 100,000 فرد شمال ديميانسك، وحامية أخرى من 5,000 عند مدينة خولم جنوب غرب ديميانسك، بالإضافة إلى قوات ألمانية أصغر حجمًا داخل مُدن فيليج وفيليكي لوكي، إلا أن الحصار السوفيتي لم يؤت بثماره حيث تمكّنت القوات الألمانية المُحاصرة من الصمود طوال فترة الحصار الكاملة والتي استمرت لأربعة أشهر نتيجة للجسر الجوي الذي أقامته اللوفتفافة قبل أن تنجح الفيرماخت في فتح ممر بري في إبريل وبالتالي إجبار القوات السوفيتية على رفع الحصار في مايو من العام نفسه.[85]

الأسرى السوفيت عقب معركة خاركوف الثانية

شمالًا، استمر الجيش الصدامي الثاني بقيادة الجنرال أندري فلاسوف في التقدم حتى مشارف نهر فولخوف في محاولة لرفع حصار لينينغراد دون دعمٍ من الدبابات لوعورة سطح أرض المعركة، حيث دفعت القوات السوفيتية بجحافل من المشاة مدعومة بسلاح المدفعية، وهو ما حقق تقدمًا نسبيًا في بادئ الأمر استمر حتى أواسط شهر يونيو عندما نجح الفيلد مارشال غونثر فون كلوج من شن هجومًا مضادًا نجح من خلاله في تطويق الجيش الصدامي الثاني وتدميره بالكامل والإيقاع بقائده في الأسر، وبوقوعه أسيرُا انشق أندري فلاسوف عن الاتحاد السوفيتي وانضم للألمان ومشكّلًا جيش التحرير الروسي (بالروسية: Русская Oсвободительная Aрмия) العميل لألمانيا النازية والذي استمر في قتال القوات السوفيتية فيما بين عامي 1944 و1945.

جنوبًا، اندفع الجيش الأحمر صوب إزيوم بمحازاة نهر سيفرسكي دونتس واستمر في التقدم لمسافة 100 كم (62 ميل) مكونًا نتوءًا عميقا في محاولة لمحاصرة مجموعة الجيوش الجنوبية الألمانية عند بحر أزوف، ولكن مع تحسّن أحوال الطقس ونهاية فصل الشتاء، نجحت القوات الألمانية في هجومها المضاد، مما أدى لهزيمة القوات السوفيتية في معركة خاركوف الثانية.

الدون، والفولكا، والقوقاز: صيف 1942[عدل]

الهجوم الألماني الصيفي: التقدم الألماني من 7 مايو 1942 وحتى 18 نوفمبر 1942:
  حتى 7 يوليو 1942
  حتى 22 يوليو 1942
  حتى 1 أغسطس 1942
  حتى 18 نوفمبر 1942

بعد انتصاراته المتلاحقة في أوكرانيا، أمر أدولف هتلر قواته باستكمال الزحف نحو موسكو، وبالفعل استؤنفت خطة الهجوم على العاصمة السوفيتية في الثامن والعشرين من يونيو لعام 1942، وإن اتخذ الهجوم الجديد طريقًا مغايرًا لما قُدّر له سابقًا؛ حيث بادر الجيش الرابع بانزر بقيادة هرمان هوث والجيش السادس التابعين لمجموعة الجيوش الجنوبية بافتتاح جبهة القتال بانتصار حاسم على القوات السوفيتية في معركة فورونيج، بعدها استمرت في المسير بمحاذاة نهر الدون جهة الجنوب الشرقي للمشاركة في حصار ستالينغراد، واقتضت الخطة تأمين نهري الدون والفولغا ثم اجتياح منطقة القوقاز بغرض السيطرة على حقول البترول الموجودة في باكو.

ومع بدء تنفيذ الهجوم الألماني الصيفي أمر أدولف هتلر بتقسيم مجموعة الجيوش الجنوبية إلى مجموعتي جيوش أخرى؛ وهما مجموعة الجيوش أ ومجموعة الجيوش ب وذلك لتنفيذ هجومين متزامنين لتعويض الوقت المُهدر خلال فصل الشتاء، حيث صدرت الأوامر لمجموعة الجيوش أ بقيادة فيلهلم لست باجتياح منطقة القوقاز والسيطرة على حقول البترول، بينما أوكلت لمجموعة الجيوش ب بقيادة ماكسيميليان فون فيخس بحماية جناح مجموعة الجيوش أ على نهر الدون واستكمال الزحف صوب ستالينغراد.

وفور البدء في تنفيذ الخطة الجديدة تمكنت القوات الألمانية من الاستيلاء على روستوف ثم استكملت الزحف جنوبًا باتجاه مايكوب، في الوقت نفسه قامت عناصر من القوات الخاصة الألمانية والمعروفة باسم براندنبرغر (بالألمانية: Brandenburg) تنفيذ عملية شامل (بالألمانية: Unternehmen Schamil)، إذ تنكرت القوات الألمانية في زي عناصر المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية لتعطيل الدفاعات السوفيتية في مايكوب قبل شروع الجيش الأول بانزر في هجوم مفاجئ لاحتلال المدينة البترولية بأقل مقاومة ممكنة.

صورة مزعومة للملازم السوفيتي الشاب أليكسي يريومينكو أثناء الهجوم على أحد المواقع الألمانية، عُرفت لاحقًا باسم كومبات.

على الجانب الأخر، تابع الجيش السادس تقدمه منفردًا باتجاه ستالينغراد بقيادة فريدريك باولوس وبلا أي دعمٍ من الجيش الرابع بانزر، والذي استمر في مواقعه حول فورونيج حتى ذلك الوقت منتظرًا وصول طلائع المشاة قبل التحرّك لدعم الجيش السادس مما عرّضه للتأخر يومين كاملين عن الانضمام للجيش السادس، مما أتاح الفرصة للجبهة الجنوبية الغربية بقيادة نيكولاي فاتوتين والجبهة الجنوبية الشرقية بقيادة أندري يريومينكو بالالتفاف حول الجيش السادس الألماني وإجبار الفيلدمارشال فريدريك باولوس على الاستسلام في الحادي والثلاثين من يناير ليكون بذلك أول فيلدمارشال في التاريخ العسكري الألماني أو البروسي يُعلن استسلامه في ميدان المعركة.

عناصر من المشاة الألمانية مدعومة بالمدفع الهجومي شتوك-3 أثناء تقدمها صوب ستالينغراد، سبتمبر 1942.

وفي الجنوب وصلت طلائع الجيش الأول بانزر إلى سفوح تلال القوقاز ونهر مالكا، وبنهاية أغسطس كانت الفرق العسكرية الرومانية المشاركة في الهجوم والمعروفة باسم القوات الجبلية (بالرومانية: Vânători de munte) قد اتخذت مواقعها الهجومية بالفعل، علاوة على الجيشين الثالث والرابع الرومانيين والذين توجّها لدعم القوات الألمانية حول ستالينغراد بعد انتصاراتهما المتلاحقة في أوكرانيا ونجاحهما في تطهير النطاق الساحلي لبحر آزوف من القوات السوفيتية، بيد أن الخصومة المشتعلة بين الحليفتين؛ رومانيا والمجر؛ بخصوص رغبة كلا منهما في السيطرة على ترانسيلفانيا لم تكن خافية عن القيادة المركزية لقوات المحور والتي تعمدت الفصل بين الجيش الروماني عند نهر الدون والجيش المجري الثاني بوضع الجيش الإيطالي الثامن فاصلًا بينهما، وعليه تمت مشاركة جميع حلفاء هتلر في حصار ستالينغراد بما في ذلك الوحدات السلوفاكية والفوج الكرواتي المنضم حديثًا لصفوف الجيش السادس الألماني.

وفي القوقاز، كان فشل القوات الألمانية في تخطي عقبة مالغوبك والوصول إلى مدينة غروزني ومنها إلى حقول البترول بآسيا الوسطى سببًا رئيسيُا في انهيار الهجوم الألماني على منطقة القوقاز، مما اضطر القوات الألمانية إلى تعديل خطة الهجوم ومحاولة للالتفاف حول كروزني ودخولها من الجنوب، وعليه أقدمت القوات الألمانية على عبور نهر مالكا بنهاية شهر أكتوبر حتى وصلت شمال أوسيتيا، ولكن بحلول الأسابيع الأولى من شهر نوفمبر كانت طلائع الفرقة الثالثة عشر بانزر والمتمركزة على حدود أوردخونيكيدزي قد أبُيدت تمامًا، مما أجبرها على التقهقر حتى غرب أوكرانيا معلنةً بذلك نهاية العمليات الهجومية في روسيا والارتداد لمواقع دفاعية في محاولة للحفاظ على التواجد الألماني على الجبهة الشرقية.

ستالينغراد: صيف 1942[عدل]

عمليات أورانوس، زحل والمريخ: التقدم السوفيتي على الجبهة الشرقية، من 18 نوفمبر 1942 وحتى مارس 1943:
  حتى 12 ديسمبر 1942
  حتى 18 فبراير 1943
  حتى مارس 1943 (المكاسب السوفيتية فقط)

مع استمرار الجيش السادس والجيش الرابع بانزر الألمانيين في محاصرة ستالينغراد، كانت الجيوش السوفيتية المتمثلة في الجبهة الجنوبية الغربية والجبهة الجنوبية الشرقية قد اتخذتا مواقع هجومية شمال وجنوب المدينة على رؤوس الجسور التي أنشأتها في وقت سابق ولم تفلح القوات الرومانية في تدميرها، من جانبها بدأت القوات السوفيتية بالهجوم في التاسع عشر من نوفمبر؛ حيث تمكّنتا الجبهتان السوفيتيتان من اختراق صفوف القوات الرومانية شمالًا وجنوبًا ثم الالتقاء عند كالاتش في الثالث والعشرين من الشهر ذاته بعدما أوقعت بأكثر من 300,000 جندي من قوات المحور، [86] في الوقت نفسه، تزامن الهجوم المُضاد الذي شنّته القوات السوفيتية ضد قوات المحور حول ستالينغراد مع هجوم مماثل بقطاع ريجيف - سيجفكا - فيازما في عملية مشتركة بين جبهتي كالنين والجبهة الغربية بهدف تطويق وتدمير الجيش الألماني التاسع والمُحاصر عند جيب ريجيف، وعلى الرغم من التفوّق العددي الملحوظ على الجانب السوفيتي إلا أن الهجوم لم يُحقق أيًا من أهدافه المرجوّة، على العكس من ذلك؛ تكبّدت القوات السوفيتية خسائر فادحة في الأفراد والعتاد فيما عُرف في التاريخ العسكري السوفيتي باسم مفرمة ريجيف (بالروسية: Ржевская Мясорубка)، لتكون بذلك أسوأ هزائم غيورغي جوكوف على مدار تاريخه العسكري بلا استثناء.

استمر القتال حول ستالينغراد في ظل محاولات القوات الألمانية لتخفيف الضغط على الجيش السادس المُحاصر حول المدينة من قِبل الجبهتين الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية السوفيتيتين، ومع فشل الجسر الجوي الذي أقامته اللوفتفافه لم يبقى أمام القوات الألمانية سوى الإقدام على هجوم سريع ومفاجئ لإرباك الجانب السوفيتي، من جانبها حاولت القوات الألمانية استثمار تفوقها الأخير خلال عملية المريخ، وذلك عن طريق إعادة تنظيم الصفوف وتكوين مجموعة جيوش الدون تحت قيادة الفيلدمارشال إريش فون مانشتاين في الوقت ذاته استمر الجيش الأحمر في جمع حشوده حول المدينة لشن هجوم أخير ضد الجيش السادس المُحاصر منذ التاسع عشر من نوفمبر.

تركّزت الخطة الألمانية حول محاولة الجيش الرابع بانزر لفتح ممر بري بين الجبهتين السوفيتيتين وإعطاء منفذ هروب للجيش السادس في الوقت الذي تشتبك فيه عناصر مجموعة جيوش الدون مع الجيش الأحمر، وبالفعل بدأ الهجوم الألماني المُضاد في الثاني عشر من ديسمبر، فيما عُرف باسم عملية عاصفة الشتاء (بالألمانية: Unternehmen Wintergewitter)، وبالفعل تمكّنت القوات الألمانية من تحقيق انتصارات كبيرة مع انقضاء اليوم الأول للعملية مستفيدة من عنصر المفاجئة، من جانبها قامت القيادة السوفيتية بتعديل عملية زحل إلى عملية زحل الصغير (بالروسية: Операция Малый Сатурн) في السادس عشر من ديسمبر، حيث اقتصرت العملية الجديدة على مُهاجمة مجموعة جيوش الدون لقطع الدعم عن الجيش السادس، وبدأ الهجوم المُضاد السوفيتي في الثالث عشر من ديسمبر وتمكّنت القوات السوفيتية من تعطيل التقدّم الألماني صوب نهر أكساي، وبحلول السادس عشر من ديسمبر تمكّنت القوات السوفيتية من هزيمة الجيش الإيطالي الثامن، مما هدد مجموعة جيوش الدون تهديدًا مباشرًا بعدما أصبح جناحه الأيسر مكشوفًا تمامُا للقوات السوفيتية، كما قام الفيلق الرابع والعشرون دبابات بقيادة فاسيلي بادانوف بالإغارة على تاتسينسكايا في السادس عشر من ديسمبر وتدمير المطار الحربي بالمدينة الواقع على بُعد 260 كم (162 ميل) غرب ستالينغراد وتدمير طائرات الشحن التابعة للوفتفافه.[87]

عملية عاصفة الشتاء: خط المواجهة بين السادس عشر وحتى الثالث والعشرين من ديسمبر:                      القوات السوفيتية                      القوات الألمانية

وبتأزّم الوضع، طالب إريش فون مانشتاين كلا من أدولف هتلر وفريدريك باولوس بإصدار الأوامر للجيش السادس بشن هجمات ضد القوات السوفيتية من داخل جيب ستالينغراد، وهو ما قوبل بالرفض انطلاقًا من رغبة الإثنين في الحفاظ على قوام الجيش السادس دون خسائر، مما أجبر الجيش الرابع بانزر على الاستمرار في محاولاته لفتح ممر أرضي يسمح بارتداد الجيش السادس لمواقع أكثر أمنًا وهو ما لم يستطعه الجيش الرابع بانزر وحده، ليُصدر إريش فون مانشتاين أوامره بوقف الهجوم دون تحقيق أيًا من أهدافه في الثالث والعشرين من ديسمبر، وبحلول ليلة عيد الميلاد بدأت عناصر الجيش الرابع بانزر في الانسحاب حتى قواعدها الرئيسية.

استمر الجيش السادس بقيادة فريدريك باولوس محاصرًا حول ستالينغراد بعد انسحاب مجموعة جيوش الدون والجيش الرابع بانزر، وبات واضحًا استحالة إنقاذه من قبضة القوات السوفيتية دون خسائر فادحة، قبل أن يقدّم قنسطنطين روكوسوفسكي قائد جبهة الدون عرضًا سخيًا لفريدريك باولوس للاستسلام في الثامن من يناير، وهو ما قوبل بالرفض من جانب أدولف هتلر الذي أصرّ على الاستمرار في محاصرة ستالينغراد حتى أخر جندي، بعدها قامت القوات السوفيتية بمهاجمة أخر مهبط طائرات بمدينة ستالينغراد في الخامس والعشرين من يناير لقطع أي سُبل إمداد باقية لدى الجيش السادس وذلك قبل أن يُعيد قنسطنطين روكوسوفسكي تقديم نفس عرض الاستسلام السابق لفريدريك باولوس في الثلاثين من يناير، والذي من جانبه أعاد طرح الأمر على أدولف هتلر الذي رفض الأمر برمّته وأغدق بالترقيات على باولوس وجنوده وجعله فيلد مارشال (ألمانيا) فيلدمارشال مُطالبًا إياه ضمنيًا بالانتحار بدلُا من الاستسلام للقوات السوفيتية وإلحاق العار بالتاريخ العسكري الألماني.

ومع الساعة التاسعة من صباح الحادي والثلاثين من يناير لعام 1943 أعلن فريدريك باولوس استسلامه لقادة جبهة الدون الذين قاموا بزيارته وتقديم عرض الاستسلام للمرة الاخيرة، بعدها أُقتيد باولوس للاستجواب من قبل القوات السوفيتية، بعدها أعلن 90,000 جندي من الجيش السادس الألماني استسلامهم وهم الباقين على قيد الحياة من أصل 300,000 جندي تابعين للجيش السادس الألماني، وذلك فور علمهم باستسلام باولوس في الثاني من فبراير.

من جانبها استثمرت القوات السوفيتية تفوقها الميداني على أرض المعركة وتقدمت لمسافة 500 كم (310 ميل) انطلاقًا من ستالينغراد على الضفة الغربية لنهر الدون مستردةً العديد من المدن المحورية أثناء زحفها، وعلى رأسها كورسك، وخاركوف، وبيلغورود، وفوروشيلوفوغراد وإزيوم، كما ركّزت الجبهة السوفيتية الوسطى هجماتها ضد مجموعة الجيوش الوسطى ومجموعة الجيوش الجنوبية وإن تكبّد الجانب السوفيتي خسائر فادحة خلال تلك العمليات العسكرية.

على الجانب الأخر، حاولت القوات الألمانية إنقاذ الوضع المتردّي بالتخلي عن نتوء ريجيف وتحويل أكبر عدد ممكن من القوات لهجوم مضاد على شرق أوكرانيا، وأُوكلت قيادة هذا الهجوم إلى الفيلد مارشال إريش فون مانشتاين، بعد وصول التعزيزات إليه والمتمثلة في لواء الوحدة الوقائية الثاني بانزر والمدعوم بدبابات دبابة النمر 1، مما أعطى مانشتاين فرصة شن الهجوم الألماني المضاد في العشرين من فبراير والذي بدأ باشتباك القوات الألمانية في معارك على طول خط المواجهة الممتد من بولتافا حتى خاركوف، واستمر القتال حتى الأسبوع الثالث من شهر مارس مخلفًا بروزًا كبيرًا في جبهة القتال بمواجهة كورسك بعد إعادة القوات الألمانية استيلائها على بيلغورود في السابع عشر من مارس.

كورسك: صيف 1943[عدل]

التقدم الألماني صوب خاركوف وكورسك، 19 فبراير 1943 وحتى 1 أغسطس 1943:
  حتى 18 مارس 1943
  حتى 1 أغسطس 1943

بعد فشله في الاستيلاء على ستالينغراد عهد هتلر بمهمة التخطيط والإعداد للحملات العسكرية للقيادة العليا للجيوش الألمانية كما قام بإعادة غوديريان (القائد السابق للجيش الثاني بانزر والذي قام هتلر نفسه بتنحيته عن منصبه وإحالته لقوات الاحتياط بعد فشله في الاستيلاء على ستالينغراد) إلى القيادة في الجيش الألماني ولكن هذه المرة في منصب المراقب العام لعموم القوات المدفعية، وعلى الرغم من تذمر القادة العسكريين الألمان أمر هتلر بعدم التنازل عن النتوء الذي شكلته القوات الألمانية قبالة كورسك بأي شكل من الأشكال والاستمرار في الضغط على القوات السوفيتية حتى سقوط المدينة، كما كان هتلر على دراية بالتحصينات السوفيتية في كورسك حيث تم تسليح المدينة بالأسلحة الثقيلة المضادة بالدبابات، حيث نشرت القوات السوفيتية المدافع المضادة للدبابات ومصائد الدبابات والألغام الأرضية والأسلاك الشائكة، كما قامت بحفر الخنادق وتشييد المعاقل وحشد قوات المدفعية ونصب مدافع الهاون، ومع ذلك تمسك بآماله في نجاح القوات الألمانية في هجوم خاطف أخير يغير من الحظوظ الألمانية في الحرب بحيث يخفف من حدة القتال مع القوات السوفيتية مما يتيح له الفرصة لنقل أكبر عدد ممكن من القوات للجبهة الغربية والتي باتت على وشك السقوط بأكملها في يد قوات الحلفاء، وتقرر بدء الهجوم من نتوء أوريول شمال كورسك متزامنا مع تحرك آخر من بيلغورود في الجنوب على أن تلتقي القوتان في المنطقة الواقعة شرق كورسك في تحرك يهدف لاسترجاع الخطوط الهجومية التي استولت عليها مجموعة الجيوش الجنوبية خلال حملة شتاء 1941-1942.

وعلى الرغم من تأكد الألمان من ضعف حالة قوات الاحتياط للجيش الأحمر وخاصة من ناحية القوة البشرية إلا أن الاتحاد السوفيتي استمر في إعادة بناء تلك القوات عن طريق سحب جنودة من المناطق التي استردها من القوات الألمانية وجعل هؤلاء الجنود نواة لقوات الاحتياط السوفيتية في إطار خطة إعادة الهيكلة التي انتهجها الاتحاد السوفيتي خلال فترات الهدوء التي انتابت القوات الألمانية التي عملت هي الأخرى على إعادة بناء قواتها المنهكة من الحرب في روسيا خاصة وقد فقدت العديد من الأفراد والعتاد خلال المعارك السابقة وخاصة معركة ستالينغراد.

كان هتلر قد وافق على مهاجمة كورسك بعد ضغط كبير من قادته العسكريين غير أنه استكشف بعد وقت قصير الشرك الخداعي الذي وقع فيه الجناح الاستخباراتي للقوات المسلحة الألمانية والمعروفة باسم الشؤون الخارجية للديوان الدفاعي للقيادة العليا للقوات المسلحة - أبفيهر (بالألمانية: Abwehr) والتي تحصلت على معلومات خاطئة عن مواقع القوات السوفيتية في كورسك من خلال جهود متضافرة بين الستافكا التي قامت بتسريب معلومات مغلوطة وحملة مكافحة التجسس التي شنتها حلقة لوسي التجسسية في سويسرا، جاء الهجوم الألماني بعد وقت طويل من السكون على صعيد العمليات العسكرية انتظرت خلاله القوات الألمانية المعدات والدبابات الجديدة مما أتاح الفرصة للقوات السوفيتية لتسليح نتوء كورسك بكميات هائلة من الأسلحة والذخيرة المضادة للدبابات لم يشهدها مكان واحد من قبل أو بعد يوم المعركة على مدار التاريخ وحتى يومنا هذا.

دبابات دبابة النمر 1 أثناء هجومها على القطاع الشمالي خلال معركة كورسك.

كان الجيش التاسع الألماني بأكمله قد أعاد تمركزه من نتوء ريجيف الذي تخلى عنه في وقت سابق إلى نتوء الأوريول المواجه لكورسك على أن يبدأ تقدمه من مالوارخانجيلسك باتجاه كورسك، إلا أن القوات الألمانية لم تنجح في التقدم بعد أولخوفاتكا الواقعة في فورونيج على بعد 8 كم (5 أميال) من خط البداية في أعقاب توغّل طليعة القوات الألمانية داخل حقول الألغام السوفيتية ظنا منها أن الطبيعة التضاريسية للمنطقة هي الحائل الوحيد بينها وبين السهول المؤدية لكورسك دون الوضع في الاعتبار احتمالية زراعة المنطقة بالألغام الأمر الذي أدى لتحول مسار الهجوم باتجاه بونيري غرب أولخوفاتكا، إلا أن القوات الألمانية لم تنجح في اختراق الخطوط السوفيتية هناك مما اضطرها لاتخاذ مواقع دفاعية بعدما قامت القوات السوفيتية بهجوم مضاد ضد المواقع الحصينة للجيش الثاني بانزر حول أوريول في 12 يوليو، حيث قامت قوات الجيش الأحمر بمهاجمة الخط الفاصل بين الفرقتين 221 و293 عند نهر جيزدرا والتقدم من خلفهم حتى كاراتشيف والالتفاف حول أوريول.